التغيير شيء أساسي وضروري ليس في الثقافة فحسب ولكن في مختلف مناحي الحياة، لأن التغيير يعني الحركة، وعكس ذلك الجمود.. ولكن ينبغي علينا عند تناولنا لفكرة التغيير أن ننتبه للآتي:
إن إعداد العقل العربي لتقبل فكرة التغيير، لابد أن يبدأ من مقاعد الدراسة، والمراحل الأولى منها تحديدا، فنبدأ في تغيير الفكر والفكرة عند النشء، بحيث يكون التفكير والإبداع هما الأساسان اللذان تبنى عليهما ثقافة التغيير هذه.
يجب أن نبدأ في الفصل بين الموروث والموجود، وأن نرفع القداسة عن الموروث الكلي، بحيث لا يقترب هذا الرفع من أمر العقيدة والقيم الأصيلة التي توارثناها كهوية نعتز بها وتعتز بنا.
لابد لنا من العمل على التهيئة النفسية للإنسان في أوطاننا لقبول فكرة التغيير، خاصة إذا اعتبرنا أن التغيير في حد ذاته يخيف كل من لا يمتلك الجرأة على تعدي ذاته إلى ذواتٍ أخرى قد تكون أفضل منه.
يجب ألا نؤمن بالتغيير المطلق، فنحن في مجتمعات لها ثقافتها الخاصة، وقد لا تصلح ثقافة أخرى مقحمة عليها، وفي هذا السياق فإنني أؤكد على أن الجمود قد يكون أحياناً أقل خطرا من تغيير لا ينسجم مع منظومة القيم الثقافية السائدة للمجتمع.
على كل حال، لابد لنا من امتلاك الإرادة الحرة لتقبل ثقافة التغيير، وأعرف أن الأمر هنا منوط بالقرار السياسي الذي غالباً ما يخشى مجرد فكرة التغيير في العالم العربي خاصة ونحن في حاجة إلى إرادة لا إدارة التغيير.
لم تسمح لي الظروف أن أكون من بين المشاركين في مؤتمر الفكر العربي الذي عقد في مراكش في بداية شهر نهاية العام، والذي ضم نخبة من المثقفين العرب على رأسهم صاحب السمو الملكي أمير الفكر السعودي المعاصر، الذي وقف بكل ما أوتي من حنكة وبراعةٍ وراء نجاح ذلك المؤتمر، ومن قبله لقاءات فكرية كثيرة.
إن ما تم طرحه من فكر ثقافي خاص بالتغيير في ذلك المؤتمر، وما خلص إليه المؤتمرون من توصيات هو جدير بإحداث التغيير، بشرط أن يتعهده رجال مخلصون واعوون بحيثياته وأهميته، ومؤهلون بمهارات قيادية يفعلّها العمل الدؤوب لإخراج ذلك الفكر من الأسطر التنظيرية إلى البوتقة التطبيقية.. كم من الأفكار والنظريات صدئت لغياب اليد القيادية المتمكنة الماهرة لشحذ تلك الأفكار وإطلاقها في فضاء الواقع العملي. الفرق بيننا وبين العالم الغربي ليس في وضع الأفكار وصياغتها، فنحن نملك -ولله الحمد- عقولاً مبدعة وقاعات فارهة، ولكن هم يملكون زيادة على ذلك مهارات أدائية متقدمة كثيراً عنا. ويحددون سلفاً مساحة الميادين التطبيقية التي تتسع لتلك الأفكار النظرية، ويُعدِون مسبقاً الأيدي والجهود الضرورية لكي تثمر تلك الميادين ويكون حصادها وفيراً كما يريد أصحابه.! كل الشكر لمؤسسة الفكر العربي التي أخذت على عاتقها إلقاء البذور الصالحة في التربة المناسبة، والشكر سلفا لكل يدٍ ماهرةٍ قيادية تمتد لترعى تلك البذور حتى تصير غراساً يانعة، تمتلئ أغصانها ثمراً متزاحماً تقطفه أيدي السياسيين، أو تطاله أماني المفكرين.. لا فرق.. وتاليتها!!
فاكس 2051900 |