يقول أحد المعلقين على كارثة الزلزال الذي ضرب آسيا قبل يومين: لو أن ربع الأموال التي سوف تصرف (الآن) لإزالة آثار الكارثة صرفت على الوقاية من الكارثة قبل وقوعها لانخفضت نتائج الكارثة إلى درجة كبيرة وخصوصاً في الأرواح البشرية. فحكومات شرق آسيا صرفت كثيراً (والكلام مازال للمعلق) على برامج لمكافحة ما سمي بالإرهاب كان يمكن أن تصرف جزءاً منها لمواجهة كارثة معلوم لدى علمائهم امكانية حدوثها. انتهى كلام المعلق.
العلم الحديث وسع قدرة الإنسان على التنبؤ وطرح أمامه خيارات كثيرة لمواجهة المجهول. لم يكن مجهولاً عند العلماء أن هناك مناطق مرشحة للكوارث بأشكالها المختلفة وان هناك حلولاً وقائية يمكن اعتمادها قبل وقوع هذه الكارثة أو تلك. وكما نلاحظ امتد زلزال آسيا من اندونيسيا حتى سواحل اليمن وعمان وكان يمكن أن يصل إلى المملكة لا سمح الله. هذا يطرح سؤالاً هاماً: ما هي الاستعدادات والاستراتيجيات التي وضعناها لمواجهة الكوارث؟ ما هي خطط الطوارئ وما هي إمكانيات الأجهزة المختلفة للعمل بسرعة للمواجهة والتصدي. والحق يقال اتصلت مرة بالهلال الأحمر السعودي ووصل الإسعاف في الوقت المحدد وأظهر العاملون فيه مهنية راقية. ولكن الهلال الأحمر لا يمكن أن يغطي كوارث كبيرة ومفاجئة.
هذه الكوارث كما نلاحظ قد تأتي على الأخضر واليابس، قد تعيد الأمة سنوات إلى الوراء، ضربة بسيطة لا تدوم أكثر من ثانية أو ثانيتين تفقد الأمة كل مكتسباتها.
كارثة الزلازل ليست بعيدة عنا، ضربت دولا تحيط بنا؛ اليمن وإيران ومصر. تقافز الكارثة بعيدا عنا لا يعني أننا استثناء، فالله وحده يعلم متى تحل مثل هذه الكوارث وأين تنزل ومن سيموت فيها، ولكن الإنسان الحديث هو الإنسان الذي يضع حسابات المستقبل، فإذا كان يعرف كيف يخطط للبناء والتعمير والتطور بتصور واضح فلا شك يعرف كيف يواجه الكوارث وكيف يستعد لها لتقليل الخسائر التي قد تنجم عنها.
في الحوارات التي تابعتها عن كارثة آسيا تبين لي أن هناك إجراءات كثيرة يمكن أن تتخذها الأمم تسهم كثيراً في التقليل من أضرار الكوارث الطبيعية، لم تعد كوارث الطبيعة قدراً يجب انتظاره لا يملك الإنسان أمامه سوى قبول نتائجها باستسلام ومسكنة. فتفاوت الأضرار التي نجمت عن كارثة آسيا تعكس تفاوت الاستعدادات التي تملكها كل أمة على حدة. فدولة فقيرة كسيريلنكا تضررت أكثر بمئات المرات من دول أخرى كماليزيا. ربما تكون قوة الزلزال أسهمت في هذا التفاوت ولكن الاستعدادات أسهمت أيضاً بدور كبير في التقليل من حجم الكارثة، لا أتحدث عن الزلازل فقط وإنما عن الكوارث عامة الطبيعية منها والناجمة عن الفعل البشري. نعرف أن المملكة تقع على خط الزلازل ونعرف أن إسرائيل تملك قنابل نووية ونعرف أن هناك جسوراً وسدوداً ومباني انتهت صلاحيتها نعرف الكثير عن كوارث المستقبل المحتملة، ولكن الذي لا نعرفه: ما هي الاستراتيجيات المرسومة لمواجهة مثل هذه الكوارث الإنسانية والطبيعية؟ بل لا نعرف من هو المسؤول الذي يمكن أن نطرح عليه مثل هذا السؤال.
فاكس 4702164
|