Wednesday 29th December,200411780العددالاربعاء 17 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

الجريمة لا تفيد والعدالة لا تنام!! الجريمة لا تفيد والعدالة لا تنام!!
د. جاب الله موسى حسن

سيحاول نظام القذافي جاهداً أن ينجو من الإدانة الدولية التي أصبحت تلوح في الأفق، وذلك بعد الشهادات التي أدلى بها سجين سابق وهو السيد حسين الشافعي في التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 2004م أمام حشد كبير من رجال الإعلام والصحافة. حسين الشافعي تحدث عن جرائم مفجعة وقتل جماعي ومقابر جماعية يندى لها جبين الإنسانة تحدث حسين الشافعي في بيت الحرية أمام المنظمات الإنسانية، تحدث عن مذبحة سجن أبو سليم ذاكراً عدد الضحايا وأسماء مقترفي الجريمة 1.200 سجين قتلوا في هذا اليوم المشؤوم والقتلة هم ناصر المبروك، وخيري خالد، وعبدالله السنوسي. كل القرائن تؤكد أن نظام القذافي وراء اقتراف هذه المذبحة وكل المنظمات الإنسانية التي سجلت ضده الإدانات بالإجماع تعلم جيداً أن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا ستظل سيئة للغاية ما دام هناك حكم شموي لا يؤمن بالحريات العامة والديمقراطية التعددية إلا بالشكل الذي وضعه القذافي وسماه (الديمقراطية الشعبية) ليزيد من قبضته على مقاليد الأمور في الوطن المكلوم!!
لقد ظل نظام القذافي طيلة السنوات الماضية يحاول الإفلات من الإدانة ولكن دون جدوى خاصة أن جرائمه ضد الإنسان الليبي أصبحت على مرآى ومشهد القرية الكونية، كما أن الجرائم التي يرتبكها أي نظام في حق المواطنين لا يمكن للعالم أن يعفو عنها ما دام نفس النظام المجرم موجوداً على السلطة فلقد رأينا قضية الطاغية بينوشيه الذي انتهك حقوق المواطن التشيلي وأصبح طريد العدالة تواجهه المحاكمات في كل العالم ويطالب به شعبه لينال جزاءه حتى بعد أن ابتعد عن السلطة! والآن نشاهد الطاغية صدام حسين ذليلاً ومهيض الجناح أمام عدالة الأرض والسماء، نشاهده على شاشات التلفزيون متعلثماً في الحديث يبحث عن كلمات استعطافية ليحتمي وراءها!!
ان جرائم نظام القذافي لا يمحوها الزمن ولا تسقط بالتقادم وضلوع حكمه في عمليات إرهابية إقليمية ودولية ستظل تلاحقه رغم الأكاذيب حول تحسين أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا، جرائمه سوف تلاحقه رغم أكاذيبه التي أتت عبر مسميات غير شرعية كالوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان التي تمت صياغتها من قبل شراذم اللجان الثورية بعد أن هاجرت المنظمة الحقيقية بسبب حل المؤسسات والنقابات، وهذا في حد ذاته انتهاك سافر لحقوق الإنسان الليبي!! ويبقى هناك دور متعاظم للنشطين في منظمات حقوق الإنسان الليبية وقيادات المعارضة للمشاركة في مؤتمرات حقوق الإنسان لتضييق الخناق على نظام القذافي وكشف كل أساليبه التي يسعى عن طريقها للهروب من الإدانة الدولية التي أصبحت ملازمة له، كما لابد أن يتم التنسيق مع الدول الصديقة ومنظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية التي تضررت من سلوك نظام القذافي الدموي وظلت تتابع أوضاع حقوق الإنسان عن قرب طيلة السنوات الماضية، فهذا النظام الذي قتل الأبرياء وابتدع بيوت الأشباح وشرد الآلاف من أبناء الشعب الليبي واختار الإرهاب بدلاً من الحوار والسلام لابد أن يُحاكم. وهذا ما عبر عنه مارك بالمر نائب رئيس بيت الحرية عندما قال: (يجب أن يكون هناك تحقيق دولي في هذه الجرائم.. مع تشكيل لجان عمل Task Force تذهب إلى ليبيا وتجتمع مع أهالي الضحايا.. وكذلك الذهاب إلى موقع الجريمة والبحث عن جثث الضحايا.. يجب أن يكون هناك تحقيق).
أحسب أنه ينبغي لكل الذين ينتسبون لهذا الوطن، ايا كانت رؤاهم وخلافاتهم السياسية والفكرية، أن يستعلوا فوق حساباتهم ومرارتهم، وأن يبحثوا عن القواصم المشتركة التي يجب أن تكرس وتوظف، لحساب مستقبل الوطن الذبيح!! يجب أن نقر بأننا نعاني من محنة وطنية، وأنه لا بديل عن فتح باب الحوار بين الجميع دون تمييز، للاتفاق على أولويات العمل الوطني في المرحلة القادمة، ووضع ثوابت لمشروع وطني، يعبر عن الوجدان العام، ويحظى بالإجماع، ولمن قبل بتلك الأولويات والثوابت، عليه أن يسهم بعطائه وعلى فصائل المعارضة أن تكسر حاجز الاحتكارية، وتفسح المجال لمن يرغب في الانضمام للعمل الوطني ويستطيع أن يعطي ويشارك، كي لا يتساوى مع من اعرض ونأى، واكتفى بتأجيج المخاوف، وتكديس التقاطع، وتعميم الانطباعات السلبية والمزايدة على الآخرين!! في هذا التوقيت بالذات اعتقد أن اي جهد مخلص يبذل لمد الجسور، ورصد القواسم المشتركة يمكن أن يبلغ غايته، بعيدا عن منطق العناد، أو شبهة التنازلات؟! ومنطق الغالب والمغلوب، فالوطن كله محط الاختبار أما أن يكون او لا يكون أم أن يقدم استحقاقات دخول عصر الحريات والديمقوقراطية، أو ينتظر دوره في صفوف الخارجين من حسابات التاريخ والزمن والجغرافيا!!
عندما تكون الغاية والهدف هي استنقاذ الوطن، وعندما تكون الغاية والهدف هو محاكمة من أجرم في حق شعبنا، فليس لأحد أن يزايد على الآخرين، وليس لطرف الحق أن ينصب نفسه وصياً على العمل الوطني فالأمانة الكبرى والمسؤولية تقتضيان فتح الأبواب على مصارعها لكل الاتجاهات والاجتهادات السياسية لكي تنهض بواجبها إزاء تحديات المستقبل والمشاركة فيه بغير تهميش وتلوين!! إننا لا نعدم عقلاء وراشدين ووطنيين، ينتسبون لكل الاتجاهات ويدركون التحديات والمخاطر، ولديهم القدرة على التبصير بالآفاق الجديدة والمخارج بمصداقية، وبذات القدرة على التجديد والمراجعة، التي تضيف للرصيد، ولا تخصم منه، تبني عليه ولا تهدم ما رسخ منه، وتكرس قيم التواصل والتعايش، لا التقاطع والتشابك.. ممسكة بميزان الاعتدال والاستقرار.. نعم غابت الهياكل الديمقراطية في الوطن السليب لأكثر من ثلاثة عقود، هياكل أصابتها تشوهات، لم يعد ميسوراً القبول بها، بدعوى الطبيعة الانتقالية وأهم هذه التشوهات أو الثغرات أنه باتت لدينا هياكل قارب عمرها الثلاثين عاماً دون أن ترسخ لدى المواطن المفاهيم والقيم الديمقراطية، التي تعطي هذه الهياكل صدقيتها، وتبث فيها الحياة!!
إن الاجماع الذي ننشده من كل القوى السياسية المعارضة، ونحن على اعتاب حقبة جديدة من تاريخ نضالنا الوطني ضد أعتى أنواع الديكتاتوريات في التاريخ المعاصر، هو اللحظة التاريخية الأدق والأنسب ليس فقط لأحداث تغيير في الوطن المكلوم، بل في تركيبة هذه النخبة وشكلها ومفرداتها، التي يفترض أن تعكس حالة الإجماع، التي لاحت بوادرها في نوع وطبيعة الرفض الشعبي للنظام القائم! هذا هو النداء الأخير لكي يستوثق الرأي العام العالمي من أننا أهل ونتأهل لبناء ليبيا جديدة، بمنطق وروح جديدة.. هذه هي الفرصة الأخيرة، ليدرك المواطن في الداخل، أن المسألة جد وبعدها يكسر قانون الصمت والخوف ويفتح أبواب الأمل والعمل!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved