منذ وقت ليس بالبعيد والعلماء يحذِّرون من حدوث كوارث بيئية ومناخية، وظهور حالات مركبة من الزلازل والبراكين، وارتفاع مفاجئ لمياه البحار.
العلماء الجيولوجيون ونظراؤهم في علوم المناخ والبيئة اتفقوا على أن المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المكونات الأساسية لكوكب الأرض، سواء في المناخ أو حتى في القشرة الأرضية وصفائها، هي نتيجة طبيعية للاستعمال السيئ للإنسان الذي يستنفد وبطريقة أنانية المكونات التي تساعد على حفظ التوازن البيئي والجيولوجي لكوكب الأرض. ويستدل العلماء في بناء تحذيراتهم التي زادت في السنوات الأخيرة بظهور إشارات عديدة، منها اتساع مساحة ثقب الأوزون التي تزداد باطراد مهدِّدة بذوبان ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي، وهو ما يهدِّد بحدوث فيضانات وسيول قد ترفع مستوى المياه في المحيطات والبحار، مما يؤدي إلى غرق واختفاء آلاف الجزر، وطمر مئات الكيلومترات من السواحل.
وما كان يحذر منه العلماء من حدوث كوارث كبيرة زادت مخاوفها بعد الكارثة التي ضربت جنوب قارة آسيا صباح الأحد، إثر حدوث زلزال غرب جزيرة سومطرة الإندونيسية تحت مياه البحر بقوة 8.9 درجة على مقياس ريختر. وهذا الزلزال لم يكن خطيراً وعنيفاً فقط لارتفاع درجته؛ إذ درجة 8.9 هي أعلى درجة سجلت خلال المئة عام الماضية، ولكن تكمن الخطورة في أن الزلزال كان مموجاً وتحت سطح الماء بعشرة كيلومترات، ما أعطى قوة دفع هائلة وعنيفة لمياه المحيط؛ حيث دفع المياه بقوة 850 كيلومتراً في الساعة، وهي سرعة لا تحقِّقها سوى الصواريخ النفاثة؛ مما جعل مياه البحار ترتفع إلى عشرة أمتار ثم تندفع نحو اليابسة بتلك السرعة المهولة مقتلعة كل مَن يواجهها من منشآت وبشر وسفن ومراكب وغيرها من الإنشاءات المادية؛ لتتجسد كارثة إنسانية وبيئية حصيلتها الأولى مقتل أكثر من ثلاثة وعشرين ألف إنسان من المواطنين والسياح في إندونيسيا والهند وسريلانكا وتايلند والمالديف وماليزيا وبنجلاديش وبورما.
هذه المساحة الشاسعة والدول العديدة التي تأثَّرت بكارثة الزلزال والمد المائي امتدت إلى سواحل إفريقيا، وتأثر عدد من دول الشرق الإفريقي.
الزلزال والمد المائي هذا يُجزم العلماء أنه مقدمة لقدوم كوارث أخرى مركبة؛ أي تجمع بين البراكين والزلازل وتنتج ظاهرة مركبة كالذي شاهدناه من مد مائي جعل مياه البحار تندفع نحو اليابسة لتغزو سواحل المدن، وهذا ما يتطلب الاستعداد بتجنيد علماء البيئة والجيولوجيا وتركيب مراكز رصد الزلازل وتكوين معاهد ونقاط مراقبة من خلال تضافر الجهود العلمية والمادية؛ إذ يؤكد العلماء أنه لو كانت إندونيسيا والهند تمتلكان مراكز رصد ومراقبة متقدمة لأمكن تقليل خسائر الكارثة مثلما تفعل اليابان التي تتعرض للعديد من الزلازل التي تقل خسائرها بسبب الاستعداد المسبق ومعرفة حدوث الزلزال قبل وقوعه وتهيئة المساكن والبناء للتعامل مع هذه الظاهرة الجيولوجية.
وبما أن الجزيرة العربية بين عدة مواقع ومكامن زلزالية وبؤر تصدع فإن الضرورة تتطلب تكاتف جميع دول الجزيرة العربية لبناء وتطوير وتفعيل مراكز الزلازل الموجودة، واعتماد إحدى الدول كمركز لتجميع المعلومات لتوزيعها على الدول، وتشجيع علماء الجيولوجيا والبيئة لتكثيف أبحاثهم للتعامل مع المتغيرات الجديدة الحاصلة على البيئة والجو والجيولوجيا من خلال إقامة أو تطوير المعاهد والمراكز المقامة لهذا الغرض.
|