كانت المدربة البريطانية تقف أمامي، حاملة كل تلك السلطة التي من الممكن أن تكون للمعلم، وسلطتها تخولها أن تلقي على رأسي جميع ما تعرفه وما تظن أنها تعرفه على اعتبار كونه الحقيقة المطلقة، أو لربما الحقيقة التي تحملها في ذهنها والتي تسيطر على جميع مداخل قنوات الاتصال بيني وبينها.
كانت تحمل الكتب وشرائح الكمبيوتر والأوراق وجميع هذا لأنها كانت تملك سلطة المعلومة التي ستوصلها إلى...
لكن ماذا حدث؟ رفعت في بداية محاضراتها قلما أسود في وجوهنا وقالت: (إن كان في كتابي الذي سنقرأه سوياً أي موضوع أو إشارة أو سطر أو لربما كلمة تزعجك أو تضايقك، أو تقلل من شأن ثقافتك أو خلفيتك العرقية أو الجغرافية... فقط ألغيه... أزيليه حتى دون الرجوع إليّ... أنت هنا بغرض الحصول على تجربتك الخاصة.. حقيقتك الخاصة، ولنحاول اكتشاف أنفسنا من خلال الحوار، وليس من مهمتي تمرير حقيقتي الخاصة كقبعة فولاذية تطوق دماغك... فقط كل معلومة تتحداك.. قارعيها.. أنت تملكين سلطة القلم الأسود لإزالتها وإلغائها من الكتاب...).
وأمضيت أنا و(جيني ديزلي) تجربة تعليمية من أجمل التجارب وأكثرها ثراءً وإمتاعاً، كانت فقط تطرق الأبواب وتجسر الجسور، ومن ثم تترك لكل منا أن يكابد رحلته الخاصة.
أصبحت التجربة جزءاً مني.. جزءاً من وعي عندما شاركت في صناعتها شاركت في إخراجها من كهوفها بمعاولي الخاصة..
وتذكرت جميع أفعال الأمر التي كانت تعسفني من أول ابتدائي إلى ممر الجامعة في حفل التخرج...
أفعل.. أفهم... أقرأ... أكتب... سمع... عدد... لون... أصنع... أطبخ... أرسم... قص... استخرج... أعرب... أضبط بالشكل... يجب... ولا يجب.
لم يكن ميدان علم... كان ثكنة عسكرية... لها مهمتان على المدى القصير
قص جميع الأجنحة الرعناء... والمارقة.
على المدى البعيد صناعة الخوذة... تكون في البداية من القش... ومن ثم رويداً رويداً تبدأ في الكثافة... حديد... فولاذ... وتنهي لتكون صخرة... أحملها في دماغي وأقارع جيلاً جديداً آخر بيجب أو لا يجب.
|