* كتب - المحرر السياسي:
يُعتبر ملف السجناء السياسيين والمفقودين والمغيبين داخل السجون الليبية من أهم الملفات التي تبين حجم الانتهاكات التي ترتكبها الدولة الليبية في حق مواطنيها.. وبالرغم من أن ليبيا وقعت على أغلب الاتفاقيات المتعلقة بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنها من أكثر الدول التي تنتهك حقوق السجناء السياسيين، رغم النفي المطلق من قِبَلِ السلطات لوجود سجناء رأي.
وسوف نتناول في هذه الورقة مجموعة من المحاور الأساسية
1-أوضاع السجون ومراكز الحجز في ليبيا.
2- أنماط التعامل مع السجناء الاعتقال، التحقيق، أنواع التعذيب المستعملة في السجون الليبية.
3- القوانين التي يحاكم من خلالها السجناء.
4 - أنواع المحاكم التي يقف أمامها السجين السياسي.
5 - ثلاث حالات تبرز بوضوح الكيفية التي تتعامل بها السلطات الليبية مع السجناء السياسيين.
5 - حادثة القتل الجماعي في سجن بوسليم - قضية الإخوان المسلمين - قضية البلغار.
6 - خاتمة، وتتضمن مجموعة من التوصيات.
وقبل الدراسة فإننا نشير هنا إلى ملاحظة مهمة
بنص القانون 71 للعام 1972م الذي يحظر أي شكل من أشكال النشاط الجماعي وقانون حظر تأسيس الجمعيات والمنظمات الأهلية في ليبيا أصبحت المنظمات الليبية الأهلية والدولية غير مسموح لها بالعمل في ليبيا باستثناء جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية والتي يرأسها سيف معمر القذافي . . فإنني أود الإشارة إلى أن جميع المعلومات والأرقام والنسب الواردة في هذه الورقة هي من مصادر مختلفة تم الحصول عليها عن طريق:
* الاتصال الشخصي بعدد كبير من السجناء السابقين المتواجدين في الدول الغربية خاصة المملكة البريطانية المتحدة.
* الاتصال الشخصي ببعض ضباط الأمن وشرطة السجن الذين كانوا يعملون تحت وحدات مختلفة من أجهزة الأمن.
* الاتصال الشخصي بذوي وعائلات السجناء الذين غادروا ليبيا للخوف على حياتهم وحياة أبنائهم . . وبيننا اليوم وفي هذه القاعة عينة من بين آلاف العائلات الليبية التي سجن عائلها الوحيد ولم تقم الدولة بمنحها أية مساعدات اجتماعية.. أم لتسعة أولاد تركت ليبيا وهاجرت إلى بلدها الأصلي بريطانيا بأبنائها التسعة الذين حرموا من العيش مع والدهم الليبي والمعتقل منذ ست سنوات، وقد صدر عليه حكم بالسجن المؤبد بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي.
* جهود منظمات دولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية وزيارتها الأخيرة وكذلك جهود منظمات حقوق الإنسان الليبية الأهلية والمتواجدة جميعها في الخارج
السجون ومراكز الحجز
ينتشر في ليبيا مجموعة من السجون والمعتقلات أقدمها وأكبرها سجن بوسليم طرابلس - سجن الكويفية بنغازي كما ينتشر مئات من مراكز الحجز المؤقتة ومكاتب التحقيق التابعة لأجهزة الأمن المختلفة. وبالرغم من التحسن الذي شهدته المعتقلات السياسية في ليبيا مؤخرا وجهود جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية في هذا المجال إلا أنه لا تزال هناك الكثير من الخطوات التي ينبغي أن تسير الدولة قدماً في تنفيذها . . وبالنظر إلى واقع هذه المعتقلات اليوم فإنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية
1 - معظم الزنزانات والغرف غير صحية وتعاني من الرطوبة العالية التي سببت في تفشي مجموعة من الأمراض المزمنة كالربو وضيق التنفس وأمراض خطيرة أدت إلى وفاة العشرات داخل هذه السجون وعلى رأسها مرض السل الرئوي، ومرض الكبد الوبائي.
2 - لا تزال أغلب الزنزانات مكتظة بعدد كبير من السجناء وقد وصل في بعض الحالات إلى وجود أكثر من 25 سجينا داخل غرف سعتها القصوى 7 سجناء، كما أن هناك نقصا شديدا في الفرش والأغطية.
3 - والزيارات لا تزال أغلب الزيارات في أغلب هذه السجون متقطعة وغير مستمرة كما أن أغلب السجناء يعانون من انقطاع الاتصال بينهم وبين العالم الخارجي.
4 - أغلب العيادات الصحية داخل السجون تعاني من نقص شديد في الإمكانيات الطبية من معدات وأدوية ويحرم أغلب السجناء المرضى من عرضهم على الطبيب المختص كنوع من العقاب . . وقد سجلت المؤسسة من خلال شهادات بعض السجناء حدوث حالات عديدة من المرضى الذين قضوا نحبهم أمام أعين أصدقائهم من شدة المرض والألم والإهمال الصحي وعدم اكتراث السجانين.
5 - أغلب هذه المعتقلات تعاني من نقص شديد في التمويل كما أن الوجبات تخضع لمزاج ضابط التحقيق وشرطة السجن الذين غالباً ما يقومون بتجويع السجين وحرمانه من الطعام كنوع من العقاب.
الأجهزة الأمنية المشرفة على عمليات الاعتقال والتعذيب
تمارس السلطات الليبية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان عبر جهازين مهمين هما الأمن الخارجي ومهمته بالدرجة الأولى مطاردة نشاطات المعارضين في الخارج ورصد تحركاتهم، وجهاز الأمن الداخلي والذي يتفرع إلى أكثر من خمسة أقسام جميعها تعمل من اجل رصد أي نشاطات سياسية أو حقوق إنسانية في الداخل، وهو الجهاز الرئيسي المسؤول عن ممارسة الاعتقال المطول بمعزل عن العالم الخارجي وعزلة تامة وممارسة التعذيب وسوء المعاملة، كما أنه يمتلك شبكة كبيرة من المباني والمكاتب السرية التي لا تخضع للمراقبة من أية جهة، ويتم من خلالها إعطاء الأوامر للقبض والاعتقال المباشر وفي أوقات متأخرة من الليل، كما يمارس من خلال هذه المكاتب أبشع صور التعذيب.
طرق الاعتقال والتعذيب
الاعتقال التعسفي والحجز غير القانوني والتفتيش بدون إذن المحكمة ونهب وسرقة جميع ممتلكات المقبوض عليه والتحرش الجنسي بزوجته وبناته.. مشهد مألوف أثناء عملية الاعتقال. وقد دأبت قوات الأمن والشرطة الليبية على تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم خصوصاً أثناء التحقيقات. وفي معظم الحالات، يقوم المسؤولون بتعذيب المعتقلين للحصول على معلومات أو لانتزاع اعترافات منهم، الأمر الذي يفضي أحياناً إلى الوفاة. وفي بعض الحالات يتخذ المسؤولون تعذيب المتعقلين أداة للعقاب أو التخويف أو الإذلال، كما يقوم ضباط الأمن باعتقال ذويهم وتعذيبهم للحصول على معلومات أو اعترافات من أقربائهم أو إجبار أقربائهم المطلوبين على تسليم أنفسهم.
وتتضمن وسائل التعذيب الضرب بالأيدي والأقدام والأحزمة والعصي والأسلاك الكهربائية والتعليق في أوضاع ملتوية ومؤلمة مع الضرب، واستخدام الصدمات الكهربائية، والاغتصاب والعنف الجنسي والتهديد باغتصاب زوجات المعتقلين وبناتهم لإجبارهم على الاعتراف فضلاً عن المعاملة غير الإنسانية التي يعامل بها السجين داخل السجن كإجبار المعتقل في مرات عديدة على شرب بوله.
الوفيات تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الصحي
نتيجة غياب الرقابة من قبل الدولة أو منظمات حقوق الإنسان على السجون والمعتقلات في ليبيا فإن العشرات من ذوي وعائلات المسجونين السياسيين قد فقدوا الأمل في حياة أبنائهم وأقاربهم ويعتقدون بأنهم قد ماتوا إما تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الصحي أو قتلوا في حادثة القتل الجماعي في سجن (بو سليم) والتي عرفت بمذبحة سجن بوسليم.
طريقة التبليغ
تبلغ أغلب العائلات عادة شفويا بوفاة أقربائها في الحجز، من دون إصدار شهادات وفاة، وعندما كانت العائلات تستفسر عن تاريخ الوفاة فإن رد السلطات عادة ما يكون بالامتناع عن إعطاء ملابسات الوفاة أو سببها.
كما أن السلطات الليبية لم تسلم أية جثة من جثث السجناء إلى عائلاتهم، وفي سنوات ماضية كانت السلطات تمنع حتى إقامة مراسم للعزاء.
الاعتقال بعد انقضاء فترة العقوبة
ممارسة الاعتقال غير القانوني بعد انقضاء العقوبة من الأمور التي تمارسها السلطات الليبية بشكل مستمر.. وقد سجلت مؤسسة الرقيب حالات عديدة قضت في السجون الليبية أكثر من 10 سنوات بالرغم من أن محكمة الشعب (غير الشرعية) قضت ببراءة المتهم منذ العام الأول، كما أن السلطات الليبية لم تقم بتعويض أي سجين عن سنوات (الضيافة) الزائدة التي قضاها داخل معتقلاتها الرهيبة. ونتيجة حالة الرعب والخوف التي يعيشها المواطن الليبي من إرهاب الدولة وأجهزتها القمعية فإنه يستحيل أن يطرق شخص ما أبواب السجون ليسأل عن ولده أو أبيه أو أحد أقاربه.
ويحتجز المعتقلون في ليبيا لفترات تمتد إلى أسابيع أو أشهر، وفي بعض الحالات حتى سنوات من دون أي اتصال بالعالم الخارجي، أو بعائلاتهم ومحاميهم ولا يعرف عادة مكان احتجازهم وخلال هذه الفترة بالذات يكونون أكثر عرضة لأشد أنواع التعذيب وسوء المعاملة.
أهم القوانين التي تشرع للدولة سجن معارضيها السياسيين
* القانون 71 للعام 1972 الذي يحظر أي شكل من أشكال النشاط الجماعي القائم على أيديولوجية سياسية معارضة لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر - أيلول 1979م. فالمادة 3 من القانون 71 تنص على توقيع عقوبة الإعدام بسبب تشكيل مجموعات يحظرها القانون أو الانضمام إليها أو دعمها.
* المادة 208 التي تحظر تأسيس أية جمعية دولية أو الانضمام إليها.
* المادة 178 التي تنص على السجن مدى الحياة بسبب نشر معلومات تعتبر بأنها تسيء إلى سمعة (البلاد) أو تزعزع الثقة بها في الخارج.
المحاكم الخاصة التي يمثل أمامها السجناء
محكمة الشعب أداة من أدوات القمع السياسي وهي محكمة تصنف بأنها استثنائية (غير شرعية) ولا تتقيد بالمعايير الدنيا للمحاكمات العادلة، وقد أُنشئت محكمة الشعب بموجب القانون رقم (5) لسنة 1988م إلا أن التعديلات اللاحقة للقانون المذكور خاصة التعديل الذي ادخل بموجب القانون رقم (3) لسنة 1997م قد جعل من هذه المحكمة وذراعها (مكتب الادعاء الشعبي) أداة من أدوات الحكم وتحقيق رغبة السلطة التنفيذية الحاكمة وليس أداة من أدوات تحقيق العدالة ومن خلال متابعة القضايا التي يتولاها مكتب الادعاء الشعبي ومحكمة الشعب يمكن استخلاص ما يلي
* حاول مكتب الادعاء الشعبي دائماً تغطية الممارسات التعسفية للسلطة التنفيذية من حيث قيامه شكلاً بالإفراج عن المتهم الذي يجلب إليه محبوساً بطريقة قانونية لمدة طويلة (وصلت إلى سنين عديدة) ثم القبض عليه في ذات الوقت من جديد.
* تقوم دوائر محكمة الشعب بعرض أحكامها قبل صدورها خاصة في القضايا المهمة لأخذ موافقة السلطة التنفيذية الحاكمة عليها وهذا مما يخل باستقلالية وحيادية المحكمة.
* صدور أحكام ببراءة متهمين مما أسند إليهم وبالرغم من ذلك فقد ظلوا رهن الحبس مدة طويلة.
* عدم وجود ضمانات للمحامين في مزاولة واجبهم تجاه موكليهم وذلك بمنعهم من ممارسة هذه الحقوق من قبل مكتب الادعاء الشعبي مما يعد إخلالاً بالضمانات الأساسية للدفع أمام محكمة الشعب.
* عدم تمكين الدفاع من الاطلاع على ملفات موكليهم الأمر الذي يعتبر انتهاكاً وخرقاً لحقوق موكليهم. إن القواعد القانونية لمحكمة الشعب تجعل من تحقيق العدالة أمراً مستحيلاً، لذلك يطالب المحامون دائماً والقانونيون ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة إلغاء محكمة الشعب واستبدالها بقضاء عادل قادر على الحكم في القضايا المعنية.
الحالات التي توضح انتهاكات حقوق السياسيين في ليبيا
تعتبر قضية (مذبحة سجن بوسليم) أو حادثة القتل الجماعي التي تصادف هذا اليوم من اشد الكوارث التي مرت على الإنسان الليبي منذ مئات السنين ولا نبالغ إذا قلنا بأنها مأساة لم يشهدها التاريخ السياسي الليبي في مختلف عصوره.
ففي مثل هذه الأيام 28-29 من شهر يونيو وقبل 8 سنوات ارتكبت السلطات الليبية مجزرة في أكبر معاقلها السياسية (سجن بوسليم) وذلك عندما فتحت فوهات أسلحتها الخفيفة والثقيلة في حق سجناء عزل ذنبهم الوحيد أنهم أعلنوا تمرداً واضراباً داخل السجن نتيجة الأوضاع الصحية السيئة والمعاملة غير الإنسانية واحتجاجا على أصناف التعذيب والإهانة واستمرار حبسهم دون تقديمهم لأية محكمة، فقامت السلطات بعد عملية تفاوض مع السجناء الذين احتجزوا فيها أحد حراس السجن استمرت لساعات طويلة اشترط فيها السجناء أن يسمح لهم بالاتصال الخارجي وان يقدموا إلى محاكم بدلا من الاستمرار في حبسهم دون أية تهم وتحسين المعاملة ووقف التعذيب فوافقت السلطات مقابل إطلاق سراح الحارس المحتجز.. وبعد إطلاق الحارس جاءت الأوامر من أعلى الجهات بإنهاء التمرد بطريقة وحشية بعد أن تم جمعهم في باحة كبيرة وأطلق عليهم الرصاص بشكل عشوائي حصد أرواح المئات منهم . . وقد قامت مؤسسة الرقيب بتسجيل وتوثيق الحادثة كاملة عن طريق أحد الشهود على هذه المجزرة.
وحتى تاريخ هذا اليوم، فإن السلطات الليبية وبالرغم من اعتراف العقيد معمر القذافي بالحادثة لم تقدم حتى هذه اللحظة بأية خطوات جادة لمعالجة ملف هذه القضية، كما لم تقم بتقديم أي اسم من أسماء الضباط الذين اشرفوا على العملية للعدالة، وفي الوقت الذي تقوم فيه السلطات الليبية بتعويض جميع الضحايا الغربيين والأمريكان فإن عائلات ضحايا مذبحة سجن بوسليم والذين يقدر عددهم بالمئات (قرابة 800) لا يزالون ينتظرون أن يمارس المجتمع الدولي كل ما يملك من وسائل الضغط المتاحة على النظام الليبي كي يقوم بالتحقيق في ملابسات هذه الحادثة المأسوية ونشر نتائجه وأسماء القتلى على الرأي العام وتعويض أهالي الضحايا ومعاقبة المسؤولين.
قضية الإخوان المسلمين
* ألقي القبض على 153 مهنياً وطالباً في يونيو - حزيران 1998 للاشتباه في مساندتهم للإخوان المسلمين أو تعاطفهم معهم . . ومنذ توقيفهم احتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي وتظل أماكن وجودهم مجهولة طوال أكثر من عامين، ولم يسمح للعائلات باتصال وجيز بالمعتقلين للمرة الأولى إلا في جلسة عقدت أمام محكمة الشعب بطرابلس في أبريل - نيسان 2001 وسمح للرجال بتمثيل قانوني خلالها في الغالب من جانب محامين عينتهم المحكمة من مكتب المحاماة الشعبية.
* 16 فبراير - شباط 2002 حكم على سالم أبو حنك وعبد الله أحمد عز الدين بالإعدام أمام محكمة الشعب في طرابلس عقب محاكمة بالغة الجور.. وكان سالم أبو حنك المولود في العام 1957 والأب لخمسة أولاد رئيساً لقسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة قاريونس في بنغازي، وألقي القبض عليه في 5 يونيو - حزيران 1998. أما عبد الله أحمد عز الدين المولود في العام 1950 والأب لأربعة أولاد فقد كان يعمل محاضراً في كلية الهندسة النووية في جامعة الفاتح بطرابلس عندما ألقي القبض عليه في 7 يونيو - حزيران 1998. وصدرت على ثلاثة وسبعين من المتهمين أحكام بالسجن مدى الحياة وعلى 11 آخرين أحكام بالسجن لمدة عشر سنوات وبرئت ساحة 66 آخرين.
وتم بصورة متكررة تأجيل الاستئناف الذي قدموه أمام محكمة الشعب الاستئنافية حيث لم تستغرق الجلسات كما ورد سوى بضع دقائق وكانت تجرى كل ثلاثة أشهر تقريباً.
وخلال فترة الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي هذه ذكر بعض المتهمين لمنظمة العفو الدولية التي قابلت بعضا منهم داخل السجن أنهم تعرضوا للتعذيب بما في ذلك الضرب على باطن القدمين (الفلقة) عقب القبض عليهم من جانب أفراد في جهاز الأمن الداخلي، كذلك أجبر المتهمون كما ورد على التوقيع على اعترافات.
وقال أحد المعتقلين سالم أبو حنك الذي حكم عليه بالإعدام في فبراير - شباط 2002 لمندوبي منظمة العفو الدولية انه اعتقل في 5 يونيو - حزيران 1998 من منزله في ساعات الصباح الأولى واقتيد إلى مقر قيادة اللجنة الثورية في البركة ببنغازي، واستجوب في ذلك اليوم حول علاقته بالإخوان المسلمين.
وبحسب شهادته صعق بالصدمات الكهربائية خلال استجوابه على ذراعيه وضرب بالأسلاك الكهربائية على قدميه لحمله على الاعتراف.
وفي فترة لاحقة من ذلك اليوم أحضرت زوجته إليه وهدد بأنها ستتعرض للاغتصاب، وقال عندما شاهدت زوجتي وتيقنت ما يمكن أن يفعلوه بها قلت سوف أخبرهم أي شيء يريدون معرفته وحالما وافق على الاعتراف توقف التعذيب.
الايدز وقضية البلغار
الرعايا الأجانب فيما يسمى المحاكمة الخاصة بفيروس نقص المناعة المكتسب والتي اتهم فيها ست ممرضات من بلغاريا وطبيب فلسطيني بتعمد حقن 426 طفلا بفيروس نقص المناعة المكتسب أثناء عملهم في مستشفى الفاتح للأطفال في بنغازي.
فعقب إلقاء القبض عليهم احتجز الرعايا الأجانب السبعة طوال أكثر من عام مع السماح لهم بالاتصال المتقطع فقط بالعالم الخارجي.
وقال المتهمون البلغار لمندوبي منظمة العفو الدولية إن الذين مارسوا التعذيب ضدهم أمروهم بعدم ذكر المعاملة التي لقوها لممثليهم الدبلوماسيين
من الاستخدام الواسع النطاق للصعق بالصدمات الكهربائية؛ والتعليق من الذراعين من مكان مرتفع؛ وعصب العينين والتهديد بالإيعاز لكلاب تنبح بمهاجمتهم؛ وعمليات الضرب، بما فيها الفلقة (الضرب على باطن القدمين) وبالكبلات الكهربائية . وقالوا إنهم تعرضوا للتعذيب مدة تقارب الشهرين، أحياناً بصورة يومية.
سجناء مختفون ومفقودون داخل السجون الليبية
سجلت منظمات حقوق الإنسان الليبية والدولية أكثر من 300 حالة موثقة قامت السلطات الليبية بإبلاغ ذويهم بوفاة أبنائهم مؤخرا في ظروف غامضة، ولم تسلمهم الدولة شهادة للوفاة أو الجثة، كما أن الدولة الليبية ترفض أن تبلغ عن سبب الوفاة، كما أن منظمة التضامن من أجل حقوق الإنسان - جنيف أصدرت قائمة بأسماء 258 سجيناً فقد أقاربهم الاتصال بهم منذ اعتقالهم . وفي بعض الحالات اعتقل السجناء كما يبدو بدون تهمة أو محاكمة طوال أكثر من عقد من الزمن، وفي حالات أخرى يعتقد انه حتى الأشخاص الذين برأت ساحتهم المحكمة مازالوا معتقلين رغم أن عائلاتهم لم تسمع أخباراً عنهم منذ سنوات.
ومن أبرز الشخصيات المختفية قسرا في سجون النظام الليبي والتي يعتقد بأنه قد تمت تصفيتهم داخل المعتقلات الليبية ومراكز الحجز والشرطة
- منصور الكخيا دبلوماسي ليبي وناشط بارز لحقوق الإنسان والأمين العام للتحالف الليبي الوطني، اختفى في القاهرة بمصر العام 1993 عندما كان يحضر المؤتمر العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة وشوهد للمرة الأخيرة مساء 10 ديسمبر - كانون الأول 1993 في فندق السفير.
- جاب الله حامد مطر وعزت يوسف المقريف، اثنان من الأعضاء البارزين في الجماعة الليبية المعارضة جبهة الإنقاذ الوطني لليبيا، وقد اختفيا في القاهرة في مارس - آذار 1990 ومكان وجودهما منذ ذلك الوقت غير معروف على الرغم من ورود أنباء تؤكد أنهما قد سلما إلى السلطات الليبية.
- اختفى الإمام موسى الصدر، وهو رجل دين شيعي بارز إيراني المولد ويحمل الجنسية اللبنانية مع شخصين آخرين خلال زيارة قاموا بها إلى ليبيا في العام 1978 وفي 1 سبتمبر 2002 وفي خطاب مشهور اعترف العقيد بأن الصدر قد اختفى في ليبيا.
- عمرو خليفة النامي استاذ الدراسات الإسلامية والحاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة كمبردج . . اختفى في سجون النظام الليبي منذ اعتقاله الأخير سنة 84، وتشير بعض الأنباء غير المؤكدة إلى أن الدكتور عمرو قد مات تحت التعذيب. وحتى تاريخ اليوم أي بعد 30 عاما لا تزال أسرته وأولاده بانتظار مصير والدهم.
خاتمة وتوصيات
إن مأساة السجناء السياسيين والمفقودين في ليبيا لن تتوقف ما لم تتخذ السلطات الليبية خطوات جادة تقوم فيها بما يلي
- الإلغاء الفوري لكافة القوانين المقيدة للحريات العامة والتي تتعارض نصوصها وأحكامها مع ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما تلاه من عهود واتفاقيات دولية شاركت ليبيا في التوقيع والتصديق عليها وتعهدت بتنفيذها، والتي تتيح للدولة اعتقال السجناء السياسيين وتمنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية وعلى رأسها
1 - قانون تجريم الحزبية رقم (71) الصادر عام 1971 م والذي يمنع أي نوع من التجمع السلمي المستقل عن السلطة، وإلغاء عقوبة الإعدام التي تشرع من خلال هذا القانون لكل من دعم أو شارك في تنظيم يخالف مبادئ وأهداف النظام الحاكم في ليبيا.
2 - الكشفُ عن مصير المختفين قسرا والمغيبين والمفقودين على أيدي النظام الليبي، داخل السجون والمعتقلات الليبية .
3 - الكشف عن أسماء جميع من ماتوا داخل السجون الليبية، وبيان أسباب الوفاة، مع محاسبة كل من تسبب في وفاة أي منهم، وتحمل التبعات القانونية والإنسانية والمادية كاملة.
4 - الإفراج الفوري عن كافة السجناء السياسيين بالإضافة إلى تعويضهم وإعادة تأهيلهم مادياً ومعنوياً ليعودوا لحياتهم الطبيعية.
5 - إلغاء جميع المحاكم الخاصة من عسكرية وثورية وشعبية (مثل محكمة الشعب)، وحل إدارة المحاماة (المحاماة الشعبية)، والسماح بتشكيل نقابة حرة مستقلة للمحامين، والعمل الجاد على ضمان استقلالية ونزاهة القضاء الليبي.
6 - عدم اعتقال أي إنسان يعيش في ليبيا توجه إليه تهمة ما إلا بموجب مذكرة توقيف قانونية، وضرورة تقديمه بعد فترة وجيزة ومعقولة من الاعتقال إلى قاضٍ طبيعي أمام محكمة عادلة ونزيهة، مع وجوب توفير الضمانات القانونية والمعايير الدولية المتعارف عليها طوال مدة اعتقاله ومحاكمته، فإن لم تكن هناك حاجة لمحاكمته وجب إطلاق سراحه فوراً، بالإضافة إلى تعويضه عما فاته من حقوق حسب معايير القانون والعدالة.
7 - إصلاح نظام السجون في ليبيا ليستوفي الشروط والمعايير الدولية خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الرعاية الطبية وتحسين التغذية، ومراعاة حق السجين في الاتصال والتواصل بالعالم الخارجي، وحق ذويه في زيارته بانتظام وعلى فترات متقاربة.
8 - فتح المجال أمام التعددية السياسية والثقافية، واعتماد الحوار بدلا من العنف كوسيلة للتخاطب بين فئات الشعب والسلطة، وتقليص سيطرة الدولة على وسائل الإعلام ومجالات الإبداع الفني والإنتاج الفكري.
|