يشتد الهجوم على الإسلام والمسلمين، وخاصة على المملكة العربية السعودية، فيما يتعلق بحقوق المرأة وحريتها غير المحدودة، وخروجها للعمل في ميادين الحياة المختلفة بدون قيود أو حدود، والجميع يعلم أن أسباب ذلك الهجوم ليس حب المرأة ومحاولة إنصافها، وإنما له أسبابه الأيديولوجية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ومن أهدافه هدم المجتمعات الإسلامية بهدم الأسرة التي تعتبر أهم لبنة في بناء المجتمع، وأهم محضن لتوفير الأمن والاستقرار والراحة لجميع أعضائها صغارًا وكبارًا، فبهدم الأسرة تخسر الحياة الاجتماعية أهم مقوم من مقوماتها، وأهم عنصر من عناصر استقرارها وأمنها وراحتها، ولهذا كثرت في المجتمعات التي هُدرت فيها الأسرة مشكلات المجتمع من جريمة وانتحار ومخدرات واغتراب وقلق وغير ذلك من أمراض المجتمع المعاصر المعروفة للجميع، ولقد ارتفعت في الغرب أصوات كثيرة محذرة ومنذرة من عواقب تحرير المرأة بدون حدود وقيود، فقد وقف كثير من المفكرين والزعماء والنساء في الغرب ضد حرية المرأة غير المحدودة، وغير المقيدة، ونادوا بأن وظيفتها الأولى هي الأمومة، ورعاية الأسرة ولو جاء بعض تلك العبارات من المسلمين لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتوالى الهجوم الشرس على قائله وسوف يتهم بالتخلف والرجعية ومعاداة المرأة.
ولهذا تعالوا نستعرض بعض تلك الأقوال التي جاءت من كتاب ومفكرين وأعلام غربيين.
يقول (بول بيوتشين): (إن الحركة النسائية الحديثة، ومطالبة أنصار المرأة بتحسين مركزها ونوال حقوقها ومشاركتها للرجل في أكثر نواحي الحياة البشرية، وصحب ذلك كثير من الدعايات مما كان له أثر بين في مختلف الشعوب، مما جعل البيت والعناية بشؤونه، وحمل أعباء وواجبات الأمومة أقل رغبة فيهما، وترجلت المرأة الحديثة وعملت في ميادين الأعمال على اختلاف أنواعها، فكان ذلك خطراً عظيماً يهدد الحضارة الحديثة، ولا سيما عامل العقم وعدم إنجاب الأولاد).
ويقول (وايت كنورس): (إن المرأة لا تستحق شيئاً من ذلك، وإن مصلحة الاجتماع تقضي بأن يظل الرجل متحكماً بالمرأة، وإلا فإنها تصبح خطراً على العالم.. إن القول بأن الرجل والمرأة متساويان أو متشابهان جسداً وروحاً وعقلاً، هراء الذي لا تقوم له قائمة، فهما مخلوقان يختلف أحدهما عن الآخر كل الاختلاف ليس في الإجمال فقط بل في التفصيل أيضاً، فالصفات الجنسية والجسدية والعقلية والنفسية تختلف كل الاختلاف والمرأة ليست عاملاً من عوامل الحضارة التي تستحق الاحترام. ومن الخطأ إنكار القول بأن المرأة أحط من الرجل إذ لو لم تكن كذلك ما استطاع الرجل أن يخضعها ويستعبدها قروناً).
وفسر (جوستاف لانتييه) أطوار المرأة وأرجعها إلى أنها وقد وعدها الرجل أن تكون متعته وعودها الإسراف في الإعجاب بها فأصبحت ولا هم لها إلا أن تحقق نظرته إليها وتفوز من الحياة بكل ما هو جدير بحسنها وجمالها، فهي تنشد الزواج لتكفل لنفسها الأمن والاستقرار في ظل نظام اجتماعي يخدمها، وهي تنشد الحب لتكفل نعيم نفسها وهناءة قلبها، وهي تنشد المال لتملك أسباب التمتع المادي الذي يبهرها، فالغرابة الملحوظة في أطوارها هي نتيجة عجزها عن تحقيق تلك الرغبات الثلاث مجتمعة، وقد تكون زوجاً وقد تكون غيرة محبة ومحبوبة، وقد تكون زوجاً محبة ومحبوبة، ثم لا يكون زوجها ثرياً، وهكذا تبقى في نفسها فرجة ينفذ منها الشقاء فيفسد أخلاقها.
ويرى أن الحل لشقاء المرأة وقلقها وضياعها يكمن في التعليم المقترن بالتربية الصالحة فهو الذي يلزم المرأة حد الاعتدال ويشعرها بالحد الفاصل بين الحقوق الجائز التمتع بها وبين الخيالات والأحلام الباطلة التي لا تثير غير الآلام.
وهناك من تحامل على المرأة، وكانت له آراء متطرفة تجاهها، ومن هؤلاء (هويارتي) الذي قال: (إن النساء مجردات من الكفاءات العالية، على أن لكل قاعدة شواذ، ولكن النادر لا حكم له، فلا جرم إذا قلنا إن النساء بوجه الإجمال ما زلن ولن يزلن سوقيات الأذواق، سخيفات الآراء، ولذا لا يزال منهن محرضات لأزواجهن على كل خطة دنيئة، وغاية سافلة، وكونهن سوقيات وسخيفات مع ما لهن من السلطة والنفوذ في المجتمع هو سبب انحطاط المجتمع في هذا العصر الدنيء وفساده، وما أصدق ما قاله شامفورت حيث قال: إنما وظيفتهن العبث بحماقاتنا وسفاهتنا، وليس بعقولنا وأذهاننا، فلا جدال في أنهن الجنس المؤخر والذكور هم الجنس المقدم، فأقصى حقهن علينا هو أن نرمقهن بعين الصفح والتجاوز عن زلاتهن، وأما إجلالهن واحترامهن، فهذا بله منا، وسخف وسفاهة لا ثمرة منه إلا أن يحقرننا في نظرهن، والرجل مقدم على المرأة، وهو أعظم شأناً منها وأرجح وزناً، وقد أحسن الشرقيون القدماء في تفضيلهم الرجل على المرأة، لله درهم إنهم أنفذ بصيرة وأصح رأياً، وقبحنا الله أو نقتدي بقدماء الفرنسيس في تقديسنا للمرأة اتباعاً لمذهب الفروسية أسوأ العصور الوسطى وأسود وصامتها) إن هذا الكلام القاسي لم يصدر من رجل عربي، ينتمي إلى ثقافة (ولقد كرمنا بني آدم) و(النساء شقائق الرجال)، إنه ينتمي إلى الحضارة التي تحاول أن تفرض على العالم قيمها وأعرافها وطريقتها في الحياة.
ويواصل (هويارتي) هجومه الناري والكاسح على المرأة الحديثة في الغرب فيقول: (إن مركز المرأة أعني السيدة في أوروبا كاذب، لأنها لا تصلح، وهذا رأي القدماء وما أصحه لما أصبحنا نخصها به من آيات التشريف والتقديس، حتى عادت تشمخ على الرجل أنفاً وتقعد فوقه وتتقدمه إلى صدور الحفلات والمجالس، وتنافسه في حقوقه وامتيازاته، فحالتنا هذه قد أصبحت موضع استهزاء الشرق وسخريته، وأصبحنا نحن في نظر سكان آسيا أعجوبة وأضحوكة، ولو بعث الله يونان وروما القديمتين لنظرتا إلينا كما ينظر الشرقيون الآن).
ويختم قوله بالعبارات النارية التالية: (وخلاصة القول: إنه لا بد من إنزال المرأة السيدة عن منزلتها الباطلة المكذوبة إلى مكانها الحقيقي، أجل إذا كان هناك مخلوق يجب محوه من الكون فهو السيدة الأوروبية، لأنها خارجة عن نظام الكون، نحن لا نريد السيدة، وإنما نريد ربة البيت الخبيرة بشؤونه، العليمة بطرق تدبيره، المؤدبة المتواضعة الخاضعة، العارفة وظيفتها ومنزلتها وقدر نفسها غير الشامخ ولا المتغطرسة ولا المتكلفة ولا السخيفة التي أضحكت منا أهل العالم بالحمق والجهل والادعاء الكاذب).
إن هذا الحنق وهذا التحامل الذي أبداه (هويارتي) على المرأة الغربية سببه ما رآه من غطرستها، وتعاليها وشموخها الكاذب من جهة، وما رآه من انحلال وتفسخ وضياع للأسرة وللمجتمع بسبب ما سماه بالسيدة الأوروبية، التي أضاعت بيتها وأسرتها، واهتمت بالمظاهر والشكليات.
إنه يريد ربة البيت الخبيرة بشؤونه، العليمة بطرق تدبيره، المؤدبة المتواضعة.
إن هذا القول لو صدر من عربي ومسلم لاتهم بعداوته للمرأة، وقد اتهم عملاق الأدب العربي الأستاذ عباس محمود العقاد بهذه التهمة لأنه صرح بأن وظيفة المرأة الأساسية هي الأمومة، ولم يجار الموجة التي كان سائدة في زمنه من تملق النساء، ودغدغة عواطفهن، واستمالتهن بتأييد حريتهن بلا حدود.
ولو ذهبنا نستقرئ جميع الآراء التي تعارض حرية المرأة بغير قيود، وبغير حدود لطال بنا الحديث، ويجب ألا يُفهم من إيرادنا لتلك الآراء أننا نتبناها، ونقتنع بها، فكثير منها مجافٍ للصواب، وفيه تطرف سببه التطرف في الجانب الآخر الذي خرج بالمرأة أو أخرجها عن وظائفها الأساسية في الحياة، وجعلها في معركة مستمرة مع الرجل، وفي حرب لا يخمد أوارها بين الطرفين.
(*) فاكس 012283689
|