Tuesday 28th December,200411779العددالثلاثاء 16 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الأزمنة الأزمنة
مشواري الدراسي -3-
عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس

غداة اجتيازي حلقة الشيخ عبداللطيف.. إلى حلقة شقيقه كبير علماء المملكة، ورئيس قضاتها، والمفتي العام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمة الله عليهما- نفس العام 1366هـ حصلت في نفس اليوم على الكتب المقرر تدريسها أو دراستها على سماحة الشيخ، ومنها حسبما أذكر وبدون ترتيب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) للحافظ بن حجر العسقلاني (في الحديث).
وشرحه (سبل السلام) للعلامة الصنعاني. و(زاد المستقنع) لمنصور البهوتي في (الفقه) و(فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) في أصل العقيدة، و(قطر الندى وبل الصدى) في اللغة العربية، مع شرحه لابن عقيل و(تفسير ابن كثير).. وغيرها من الكتب المقررة.. وهي تقارب العشرة كتب.. وهناك كتب عديدة تقرأ قراءة مرة ولكن لا يترتب عليها تقدير في التحصيل العلمي للطالب.
وقراءتنا عن الشيخ محمد في هذه المقررات يقوم بها عدد من ذوي الطلاقة والفصاحة والجسارة، من الطلبة المبصرين.. أما أكفّاء البصر فهم يشاركون في قراءة ما يقرر حفظه من مقررات العقائد، والأحكام، وقواعد اللغة، والفرائض، ونحوها.. وأكثر من يقوم بالقراءة في المقررات ثلاثة هم ابناه الشيخان عبدالعزيز وإبراهيم، ومحمد بن عبدالرحمن بن قاسم).
فهو -رحمه الله - أكثرنا قراءة وكتابة ملخصات من شروح شيخنا الجليل، حيث يحضر معه دائماً (قلماً ودفتراً) فيسجل فيه دقائق المسائل وشروحها العميقة في أي فن من فنون العلوم والمعارف الإسلامية.
***
عرف الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمة الله عليه - بالرصانة والرزانة والمهابة التي لم تؤثر على علاقته بالعلماء وطلبة العلم وأفراد المجتمع الذين يحضرون جلسته المسائية المفتوحة (بين العشاءين) في بيته كل ليلة.
ورواد هذه الجلسة ما بين سائل مسترشد.. أو مستمع مستفيد.. أو صاحب قضية مستعصية كالذي يطلق زوجته ثلاث طلقات في مجلس واحد.. ويريد مراجعتها فيقال له: إنها (بانت) منك.. أي لا رجعة لك فيها.. والشيخ محمد يرى ما يراه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - من (بينونتها) من زوجها.. إلا أن الشيخ ابن باز - رحمه الله - خالف شيخه في هذه المسألة وهو ما عليه الفتوى حالياً.
***
بعد أذان العشاء ينتقل إلى مسجده الجامع فيستمع إلى قراءة في (تفسير ابن كثير) من مرافقه وأحد طلبته عبدالعزيز بن محمد بن شلهوب رحمه الله.
يعلق الشيخ على بعض المسائل ويشرح بعض الغوامض.. ثم يصلي بالجماعة وينصرف إلى بيته.
وبصلاته العشاء تنتهي جلساته العلمية اليومية وهي (جلسة ما بعد الفجر) وهي أهم وأكبر الجلسات، حيث يحضرها ويشترك فيها ما يقارب (الـ150) دارساً و(جلسة ما بعد العصر) لطلاب القرآن، و(جلسة ما بين العشاءين) المفتوحة في بيته (وجلسة لقراءة التفسير لعامة الجماعة) في المسجد قبل صلاة العشاء.
عميد العلماء وكبير الحكماء
تولى شيخنا العلامة الجليل محمد بن إبراهيم - رحمه الله - من الأعمال والمسؤوليات الجسام ما تنوء بحمله (أربع وزارات) فهو - على سبيل المثال-:
- كبير علماء المملكة ومرجعهم.
- مفتي الديار السعودية.
- رئيس القضاة.
- رئيس المعاهد العلمية والكليات (جامعة الإمام محمد بن سعود) فيما بعد.
- رئيس الجامعة الإسلامية في المدينة قبل ترؤس الشيخ ابن باز لها - رحمه الله -.
- مؤسس (مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية) التي تصدر (الدعوة) الأسبوعية.
والشيء العجيب الذي لا يعرفه أكثر الناس أنه لا يتقاضى عن هذه الوظائف والمهام الكثيرة والكبيرة إلا راتب وظيفة واحدة.. وقد أكد لي هذه المعلومة أحد المقربين أو النافذين عند الشيخ.
في عام 68 - 1369هـ أي بعد أكثر من سنتين من الدراسة الجادة جنباً إلى جنب مع كبار الطلبة الذين هم على وشك التعيين قضاة أو مدرسين، أو أئمة مساجد ومرشدين - تم اختبارنا بشكل جدي وحاسم من قبل لجنة من العلماء عينهم الشيخ محمد للإشراف على ذلك الامتحان الأول من نوعه على كل طالب، وفق محصوله العلمي.. ووفق المسؤولية التي ستسند إليه بعد معرفة النتيجة الاختبارية لمعلوماته، وعقليته وفكره وذهنه.
وكان رئيس لجنة الامتحانات الشيخ محمد بن هليل - رحمه الله - أراد أن يجس نبضي بعد ظهور النتيجة قائلاً لي: أشوف الشيخ محمد وده يروحك قاضياً في حفر الباطن.. وش رأيك..؟ قلت: أعوذ بالله.. والله لا أجلس على كرسي القضاء ساعة واحدة. قال: أجل لو عيّنك مدرساً في إحدى المدارس بالرياض، أعندك مانع؟ قلت: مدرساً في الرياض لا مانع.. نقل الشيخ الهليل إلى الشيخ محمد موقفي هذا.. وبعد يومين وجهني مدرساً للدين وقواعد اللغة العربية في المدرسة الفيصلية الابتدائية بالرياض وكان مدرسو هذه المواد في ذلك الحين لا بد أن يكونوا من طلبة العلم على الشيخ محمد بن إبراهيم.
***
ذهبت إلى المدرسة واستقبلني مديرها الفاضل (الشيخ صالح الرزيزا) حفظه الله وعهد إليّ بتدريس فصول السنتين الخامسة والسادسة وقمت - بحمد الله - بواجبي على خير ما يرام، وأحببت معايشة الطلبة.. وأحبوني.. لأني كنت أعاملهم كزملاء أو كأصدقاء.. لا أقسو على أحد منهم.. ولكني لا أتسامح مع الكسول والمهمل وما زال بعضهم يذكرني بأنه أحد تلامذتي.. وأنه يدعو لي بخير كلّما رآني في التلفاز أو في صحيفة أو سواهما ومكثت مدرساً في هذه المدرسة سنة وعشرة أشهر.
لما أعلن عن تأسيس (المعهد العلمي بالرياض) سنة 1370هـ قدمت استقالتي كمدرس وطلبت الالتحاق بالمعهد دارساً فوافق الشيخان محمد وعبداللطيف.. ولكن (بشرط) دخول امتحان القبول لكل من انقطع عن الدراسة على الشيخ سنة فأكثر..
ولم يكن أمامنا يوم واحد للمذاكرة.. فتوكلنا على الله وقبلنا (الشرط) على مضض.
وكنّا في قاعة الامتحان نتأوه لهذا التفريق بيننا وبين زملائنا الذين قبلوا بدون امتحان بدعوى أنهم لم ينقطعوا عن حلقات الدراسة.
ولما أردت تقديم أوراق إجاباتي وأنا واثق منها كل الثقة رأيت أن أُعلِنَهم بغضبنا على هذه التفرقة.. فكتبت (3) أبيات في آخر ورقة من إجاباتي قلت وأنا حينذاك في بداية التجربة الشعرية:
حضرنا كعيس قد أنيخت لحتفها


أو (المعز) سارت طوعها للمجازر
حضرنا، ولم نحضر بغير جسومنا
وأقلام في يميننا والدفاتر
فهاكم جواباً صاغه غير خائر
وليس (جباناً) إن دعي للمخاطر

فكانت لهذه الأبيات المتواضعة ردة فعل إيجابية من الشيخ عبداللطيف - رحمه الله -.
يتبع..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved