لا تتوقع كلمة جديدة في حل اللغز المطروح، فهو لن يخرج عن (الكبريت، المروحة، الشمس، الساعة.. الخ)، فلا يأتي ببالك أن يذهب الحل إلى (طبقة الأوزون، أو طابعة الكمبيوتر، أو منخفض الهند الجوي، أو المياه الغازية.. الخ). كإشارة واضحة إلى بيئة متكررة لا تفتأ تتداول اللغز بالطريقة نفسها التي تداول بها الجيل السابق.
هذا يعطينا مؤشراً إلى المخزون الثقافي الذي يعيد ذاته في كل مرة يخرج فيها للسطح دون أن يتأثر بالعوامل الخارجية كعلامة واضحة جداً على ثبات حركة الشعبي - البدوي، على اعتبار أن اللغز نشأ في بيئات البادية واستمر يتنقل فيه بنفس الطريقة دون أن يخرج عن شرط النشأة، ذلك أن سياج الثقافة البدوية يحاصر حتى اللغز.
هذه المحاصرة، هي محاصرة الإبداع والتجديد والتحول التي لا تخرج اللغز عن نسق اللكنة البدوية عندما يبدأ ب(أنشدك عن عذري..) ليحيل الجلسة إلى استدعاء الكبريت والمروحة والشمس أو أي معنى لا يخرج عن محسوسات الجالس القريبة منه وحوله دون أن يتحمل صاحب اللغز وصاحب الإجابة عناء التفكير (خارج الصندوق).
اللغز ليس إحالة شعبية للتفكه ولكنها إحالة ثقافية لبيئة تستخدم قانون (الثبات) في كثير من شؤونها مما جعلها فكاهة لعصر الهندسة الوراثية مثلما هي الحال عند ابن القرية الذي ما زال يستخدم (القشطة) على يديه ظناً منه أنها (كريم).
لعل الشعبي - المدني كان أكثر ذكاء عندما فهم لعبة العصر فتأقلم مع شروطه مما دعاه لأن يكون أكثر حضوراً وأوسع انتشاراً وأعمق تأثيراً من الشعبي - البدوي الذي ظل مرهوناً ذهناً بحدود المرعى بوصف الحد جزء من المخزون الثقافي الذي ظل يفعل فعله في كل مرة يبحث فيه اللغز خروجاً إبداعياً أو مواكبة عصرية.
|