في مثل هذا اليوم من عام 1991 احتلت روسيا لأول مرة المقعد الدائم للاتحاد السوفييتي في مجلس الأمن باعتبارها إحدى الدول الخمس التي لها حق الفيتو. وكان الاتحاد السوفييتي قد تفكك إلى جمهوريات مستقلة، وانضمت هذه الجمهوريات إلى الأمم المتحدة. وقد شهدت السياسة الروسية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي الكثير من التحولات، حيث اتسمت سياسة روسيا الخارجية خلال عهد يلتيسن بتبعية شبه مطلقة للولايات المتحدة على الصعيد الدولي. ومع تصاعد الهجوم الاستراتيجي الأمريكي على كافة الجبهات وتوسيع حلف (الناتو) باتجاه الشرق بدأت روسيا تشعر بفداحة المخاطر على أمنها القومي.
حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر والغزو الأمريكي لأفغانستان لتجد روسيا حدودها الجنوبية والغربية محاصرة بالقواعد والقوات الأمريكية، ثم جاء الغزو الأمريكي للعراق ليزيد بصورة أكثر خطورة من الخلل الفادح في علاقات القوى الدولية لصالح الولايات المتحدة، وليفرض وجودا عسكريا أمريكيا كثيفا في منطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبرى قريبة من الحدود الروسية.
وكان طبيعيا أن تستشعر روسيا الخطر المحدق مع تزايد الاستعدادات الأمريكية للغزو، ولم تجد موسكو أمامها بدا من السعي لإقامة محور جديد مع كل من باريس وبرلين، بعد أن كانت منذ أواخر التسعينيات قد سعت لإقامة تحالف استراتيجي مع بكين، وبدرجة أقل مع نيودلهي، لمواجهة مخاطر انفراد أمريكا بالهيمنة على العالم.
واتسم موقف روسيا بتشدد واضح تجاه محاولات الولايات المتحدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن يسبغ الشرعية على الغزو الأمريكي للعراق. ونجح تهديد موسكو وباريس باستخدام الفيتو في منع واشنطن بالفعل من استصدار مثل هذا القرار.
وإذا كانت روسيا وفرنسا قد وافقتا على قرارات لاحقة بشأن العراق بطلب أمريكي، فإنهما قد فرضتا على واشنطن إدخال تعديلات مهمة على هذه القرارات، متحالفتين في ذلك مع ألمانيا.
كما تواصل روسيا تقديم مساعداتها العسكرية لإيران التي تواجه خطر التهديدات الأمريكية.
وترفض موسكو وقف مشاركتها في البرنامج النووي الإيراني استنادا إلى موافقة طهران على الامتثال لإخضاع هذا البرنامج لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما تقدم روسيا مساعدات عسكرية لسوريا رغم الموقف الأمريكي المعروف منها، وتعارض موسكو السياسة العدوانية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وسوريا ولبنان. وقد فشل شارون تماما أثناء زيارته الأخيرة لموسكو في إثنائها عن موقفها سواء تجاه إيران أو سوريا ولبنان أو الفلسطينيين.
ورغم الطلب الإسرائيلي الملح بعدول روسيا عن طرح خريطة الطريق على مجلس الأمن الدولي ليتبناها المجلس في قرار رسمي، فإن روسيا تقدمت بمشروع القرار الذي وافق عليه المجلس ليصبح قرارا دوليا. وهذا موقف ايجابي ولا شك بغض النظر عن تحفظاتنا المبدئية على (الخريطة). كما فشل شارون في (استنطاق) موسكو بإدانة لما يسميه (الإرهاب الفلسطيني) مقابل إدانته للمقاتلين الشيشان، كما كان يحدث في زيارات سابقة له أو لغيره من المسؤولين الإسرائيليين.
|