لقد منَّ الله علينا في ظلال الدولة السعودية بنعم لا تعد ولا تحصى ومنها :
1 - اجتماع شمل أرجاء عامة الجزيرة العربية تحت راية التوحيد - بفضل الله - ثم بجهود الإمام الصالح العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - بعد أن كانت قبائل وقرى متناحرة متنافرة متباغضة يقتل بعضهم بعضا ، ويبغي بعضهم على بعض.
والاجتماع نعمة والفرقة عذاب ، وقد امتنَّ الله على الأنصار خاصة وعلى المؤمنين عامة بالاجتماع بعد الفرقة ، فقال تعالى : { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } ، وها نحن اليوم تسود بيننا المودة والألفة بعد أن كان الآباء والأجداد يعيشون فرقة واختلافاً قل نظيرهما ، ولقد أخبرني من أدرك زماناً كان بعضهم يقتل القتيل من المسلمين في جزء من أجزاء وطننا اليوم ثم يأسف على قتله ، لا لكونه قتل مسلماً بغير حق ولكن لكونه خسر رصاصة دون مقابل ، إذ اكتشف أن الضحية لم تكن تحمل من حطام الدنيا شيئاً غير لبسها الذي عليها !!
2 - استتباب الأمن في هذه الجزيرة بعد عقود من الخوف والاضطراب ، والأمن ضرورة من ضرورات الحياة ، لا تصلح الحياة إلا به ، ولا يستقيم أمر الدين إلا تحت ظلاله ، فإذا نعم الناس بالأمن تفرغوا لمعايشهم ، وعبادة ربهم تبارك وتعالى .. ولعظم شأن الأمن دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يمنَّ به على البلد الحرام ، بل وقدمه على طلب الرزق لأهله فقال : { رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } (126) سورة البقرة .. إن مظاهر الأمن في بلادنا - والحمد لله - لا تحصى ومنها أن المسافر يسافر بالبر من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال من أطراف اليمن إلى مشارف الشام لا يخاف إلا الله وحده ، ترى لو بعث أحد ممن مات قبل ثمانين أو تسعين سنة من اليوم ، أكان يصدق ما يشاهده من الأمن والطمأنينة ؟
3 - تحكيم الشريعة الإسلامية في شؤون البلاد والعباد ، في زمن عطل فيه حكمها ، فتفردت بهذه المنقبة العظيمة ، ولا شك أن الاستقامة على الحق حين يقل المساعد والنصير من أعظم القرب عند الله ، وأكثرها عنده ثواباً ، وما كان من نقص - والنقص حاصل - فنسأل الله أن يوفق ولاة الأمر لاستدراكه وإصلاحه.
4 - الالتزام بعقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فهي العقيدة التي تدرس في مدارسها بجميع مراحلها من مبدئها إلى منتهاها ، وعلى وفقها تقوم الفتوى ، وهذه نعمة عظيمة فان نعمة الاهتداء إلى السنة كنعمة التوفيق إلى الإسلام ، لأن السنة هي عقيدة الإسلام الصافية النقية من البدع والمحدثات والشوائب.
5 - رغد العيش ووفرة الأرزاق ، واتساع الناس في المعايش نتيجة الأمن والطمأنينة ، وما فتح الله به على البلاد من بركات السماء والأرض ، حتى صارت مقصد الناس من مشارق الأرض ومغاربها ، يأتونها بحال من الفقر والحاجة ويرجعون بحال أخرى من الغنى والوفر ، فاللهم لك الحمد كله.
6 - علاقة الرحمة والمودة بين الحاكم والمحكوم ، فبإمكان الفرد من الرعية الوصول إلى أبواب أمراء البلاد وعرض حاجاته عليهم ، ومن آثار هذه المودة والألفة ما نراه من مشاركة كبار المسؤولين لأفراد الرعية في أفراحهم وأتراحهم ، ومن آثارها ما نراه من وقوف الرعية مع قادتهم في ساعات المحن والفتن في مظهر من الوفاء ، تعجز الكلمات أن تعبر عنه أو أن تحوم حول حماه.
أيها السعوديون :
هذه قطرة من بحار النعم التي ترفلون في أثوابها ، ولو لم يكن منها إلا نعمة الأمن والإيمان لكفى ، فكيف وقد حباكم الله إليها ما لا يمكن عده ولا حصره من نعمه وآلائه : (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار).
إن التحدث بنعمة الله والتذكير بها مرة بعد مرة هو من شكر الله عليها ومن أسباب الشكر أيضا ، وقد أمر الله تعالى كليمه موسى عليه السلام أن يذكر قومه بنعم الله عليهم ، فقال سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } (5) سورة إبراهيم ، وأيام الله آلاؤه ونعمه فاستجاب موسى لما أمر به ، فذكر قومه بنعمة الله عليهم من انجائهم من فرعون وطغيانه ، ثم أمرهم بشكر نعمة الله وحذرهم من كفرانها .. وقال الله لأهل سبأ ممتناً عليهم بنعمة الأمن والرزق : { كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } الآيات ، وأمرنا الله تعالى معشر هذه الأمة أن نتذكر نعمته علينا ، وان نشكره عليها فقال : { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } في آيتين من كتابه ، وقال تعالى { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } (152) سورة البقرة ، وقال تعالى : { وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (172) سورة البقرة ، وقال تعالى { وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (114) سورة النحل .. وما أردت بهذه المقالة إلا التذكير بنعمة الله علينا وحث نفسي ومن يقرأها بشكر الله عليها سراً وجهراً.
إن الحاجة ماسة إلى مثل هذا التذكير ، فإننا ابتلينا بسفهاء لؤماء ما فتئوا يسترون الجميل ، ويشيعون ما يختلقون من القبيح ، كما قال القائل يشكو قوماً هذه حالهم معه :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً
عني وما سمعوا من صالح دفنوا |
يذمون هذه البلاد وهم من أسعد الناس بخيراتها ونعم الله فيها ويا عجبا (أأكلاً وذماً) كما يقول المثل العربي ؟
إن الحر لا يرضى لنفسه هذه الدركة ، إنما يرضى بها من هانت عليه نفسه لؤماً وخسة و(من يهن يسهل الهوان عليه) ، وإبراهيم عليه السلام خاف من ضيوفه يوم رآهم لا يمدون أيديهم إلى طعامه ، وكان أهل الفتك لا يأكلون من طعام من يريدون به سوءاً كأنهم يأنفون أن يجمعوا بينهما !!
دعاة الفتنة هؤلاء : لا يفوتون فرصة إلا أوغروا الصدور ، وهيجوا الأغرار ، يصورون لهم أنهم يعيشون في حالة من الفساد الديني والدنيوي لا مزيد عليها ، وهم يأتون لكل أحد من الناس من الباب الذي هو أقرب لقلبه فيأتون لصاحب الدين (الجاهل بحقيقة الدين) من باب الدين ، ويأتون لصاحب الدنيا من باب الدنيا ، إن هؤلاء دعاة على أبواب جهنم ، فإياكم وإياهم .
ففي حديث حذيفة في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر من دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ، ثم أخبر أن العصمة من شرهم هي (بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم) ، فدلت هذه الكلمة النبوية إلى أن المقصود بهم قوم يريدون نزع الطاعة وتفريق الكلمة ، والخروج على إمام المسلمين وهذا هو الدور الذي يقوم به اليوم دعاة الفتن والفساد.
وإذا كان دعاة الفتن قد كتموا الحقائق واختلقوا الأباطيل وأوغروا الصدور حسداً وغلاً ، فان أئمة السنة وأهل العلم والإيمان ما فتئوا يذكرون الناس بمكانة الدولة السعودية ، ويشيدون بما وفقها الله إليه من الحكم بالشريعة ، ويذكرون الناس بما أسبغه الله عليهم من نعمة الأمن بعد الخوف ، والغنى بعد الفقر ، والعز بعد الذل ، بهذا صرح أئمتنا وأشياخنا قديماً وحديثاً ، وما قالوا إلا ما يصدقه الواقع والحمد لله ، فشتان بين الطريقين ، فاستمسكوا بطريق أئمة الهدى وإياكم وسبل أهل الجهالة والغواية ، { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ {19} وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ {20} وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ {21} وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ } :
وما يستوي جهال قوم تسكعوا
عمىً وهداةٌ يهتدون بمهتد |
وعلى من أضله الهوى أو الجهل أن يبادر إلى التوبة إلى الله ، وان يلتزم بمقتضى عقيدة أهل السنة والجماعة في لزوم السمع والطاعة ، ونشر محاسن ولاة أمره وستر معايبهم ، رعاية لاجتماع الكلمة وبعداً عن أسباب الفرقة ، ولو ظُلم وضُرب وأُخذ ماله بغير حق ولو استؤثر عليه بالدنيا وزهرتها ، { مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ، إن الذين تنكبوا طريق السنة متوعدون بأشد الوعيد وفيهم نزل قول الله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، قال ابن عباس : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة .. وتلاها أبو أمامة - رضي الله عنه - في الخوارج ، ورفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه الترمذي وحسنه.
حفظ الله الوطن السعودي وقادته ، وأبقاهم ذخراً وعزاً للإسلام وأهله ، وكبت أهل الحسد والكيد الذين ساءهم ما نحن فيه من نعمة الدين والدنيا.
وأنت أيها الوطن :
فدتك نفوس الحاسدين فإنها
معذبة في حضرة ومغيب
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها
ويجهد أن يأتي لها بضريب |
|