* كتاب فيه دراسات نقدية، نتاج متابعة دقيقة، من تأليف الأخ الدكتور حافظ المغربي، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود بالرياض، وعنوان ذلك الكتاب: (تناقض الخطاب النقدي - في كتابات المازني.. وقد قضيت وقتا ممتعاً، تابعت فيه هذه الدراسة المستأنية التي ألقى بها الكاتب، وهو يتابع تلك المتناقضات لدى الكاتب الشهير والشاعر وصاحب الترجمات عن الأدب الغربي! والذين قرؤوا المازني وتابعوا مؤلفاته والنقد العنيف بل والمرير الذي جاء في (الديوان) بالاشتراك مع أديب العربية الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد- رحمهما الله-، وما حفل به ما سمي ب (الديوان) في جزءيه من هدم وليس نقداً، لشعر أحمد شوقي، وكذلك الشاعر والكاتب والمترجم لآداب الغرب عبدالرحمن شكري، وقد كان ثالث الثلاثة، العقاد والمازني وشكري، والثالوث بدأ حين عرف المازني زميله في التدريس على العقاد!
* غير أن انقلاب المازني على شكري بلا حدود وفق ما قرأنا في الديوان ونقل عنه الأخ حافظ المغربي، يجد القارىء نفسه أمام عداوة ليس لها حدود، تهبط إلى حد الحقد.. وما أجمل الإنسان حين يحب، وما أظلمه حين يكره، فهو يتحول كما يقال ثلاثمائة وستين درجة، {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}.. غير أن الشيء العجيب الذي يتنبه إليه القارىء البصير هو: لماذا لم يحل العقاد بين المازني ونشر تلك الكراهية السوداء، إن صح هذا التعبير في (الديوان)، الذي يحمل اسميهما معا؟ ولو أن تلك الهجمات الشرسة بل اللانسانية التي هدم بها المازني صاحبه وصديقه، جاءت في كتاب يحمل اسم المازني وحده لهان الأمر، وبالنسبة لموقف العقاد، فقد يكون المازني لم يطلع صاحبه على ما بيّت وصنع.. أما في كتاب يحمل اسميهما معاً دون تدخل العقاد لدفع هذا الظلم، والذين يعرفون العقاد وجبروته وقدرته، فإنهم ينكرون على الكاتب الكبير موقفه السلبي، ولا أظن أن العقاد ذا النفس الكبيرة يرضى بما صنع صاحبه المازني مع شكري، وكلاهما، يعترفان بأستاذية شكري ومقداره الكبير شاعراً وكاتباً ومترجماً كبيراً!.
* كنت وأنا أقرأ كتاب أخي حافظ المغربي، وجور المازني على صاحبه، أتطلع إلى لفتة من كاتبنا تقول لقارئه، لماذا صمت العقاد على جور المازني، والعقاد صاحب الإسلاميات والثقافة الواسعة، لماذا لم ينصر صاحبه المازني، فينهاه عن ظلمه لأخيهما شكري، وكلاهما يعرفان قدره ومقداره لكن الدكتور حافظ، لم يشرلا من قريب ولا من بعيد عن صمت العقاد وموقفه، الذي يبعث إلى كثير من العجب بل والاستنكار، ولو كان غير العقاد في هذا الموقف لهان الأمر شيئا ما.. ومع ذلك فإني أتطلع من كاتبنا أن يسوق لقارىء كتابه الذي يقلقه كثيراً عدم تدخل العقاد! ولو كان نقد المازني موضوعياً، لما حركني إلى الإلقاء بهذا التساؤل شبه الاستنكاري من أديب العربية الكبير، فهل عند الدكتور حافظ تعليل يرضي المتطلعين إلى شيء من إنصاف رجل كبير مثل شكري في ثقافته المتعددة، لأنه متعدد المواهب، واعترف كما أشرت آنفا بأستاذيته من صاحبيه!؟
* إن تناقض الخطاب النقدي عند المازني، الذي وقف عليه الكاتب في كتابه الجامع، مرده عندي، أن تلك النقدات صادرة عن نفس مزاجية متقلبة، ومن أجل ذلك يجد الدارس الشيء وضده.. وإذا تركنا المازني ومؤلفاته التي تحمل أسماء ساخرة، مثل: قبض الريح، خيوط العنكبوت، صندوق الدنيا إلخ.. فإن تناقض مواقفه النقدية، نستطيع أن نتبينها من اعتذاره وتراجعه عن نقداته للمنفلوطي، حافظ إبراهيم، والعرب تقول: إياك وما يعتذر منه).. وهذا ما جعلني أقول: إن مواقفه النقدية مزاجية، فهي لم تكن صادرة عن عقل بصير، يتبيّن العواقب، وأنه يحسب للإنسان كما يحسب عليه.. ونحن نرى العقاد رغم عنفه في نقداته، لم نر له تراجعاً، لأن عنده قناعة بما كان يقدم عليه، أما المازني، فإن شخصيته الساخرة قلقة، وهذا القلق هو الذي يجعل الأحكام مزاجية، تدفع إلى الشيء وضده مباشرة أو بعد حين.. ولذلك نرى الإسلام يشيد بالعقل، لأنه مصدر التوازن ومرجعية الإنسان، وصور شاعر أن العقل سراج، وكأن ما سواه ظلام وتخبط، وتحول عن سواء السبيل!.
|