تحدثت يوم أمس الأول عن (طرف) ظاهرة ربما انتبه لها بعض العقلاء.. كل القراء يعرفون أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مازالت بعيدة عن متناول الكتّاب والنقاد والتداول على مستوى الرأي العام.. في الوقت الذي لم تخرج فيه قطاعات وزارة الداخلية المختلفة عن صفحات الجرائد يوماً دون نقد وربما تطاول.. ليس غريباً أن نقرأ خبراً تذيعه وزارة الداخلية نفسها، يشير إلى عقاب أنزل بموظف أو بضابط أو بجندي من منسوبيها لخروجه على الأنظمة والقوانين، الشيء الذي لم يصدر مثله عن جهاز الهيئة البتة.. امتدت هذه الممارسة المتناقضة بين الهيئة وبين وزارة الداخلية حتى ظهر شيء يشبه التكتل أو التحزب.. دفع هذا التكتل إلى تقسيم العمل الأمني والإداري بصفة عامة في المملكة إلى قسمة فكرية، تصل عند بعض السفهاء إلى (علماني وإسلامي).
عندما قامت الحكومة بدمج الرئاسة العامة للبنات مع وزارة التربية والتعليم أصيب بعض الناس بالفزع، تناثرت الاتهامات وكتبت العرائض.. لم يسأل أحد لماذا فعل هؤلاء ما فعلوه رغم أن ناصر الموظف بالرئاسة العامة لتعليم البنات كان يمكن أن يكون موظفاً في وزارة التربية.. وشقيقه فهد الموظف في وزارة التربية كان يمكن أن يكون موظفاً بالرئاسة العامة لتعليم البنات؟، فالمسألة كلها صدفة.. عندما تقدم ناصر لوزارة الخدمة المدنية تم تحويله إلى وزارة التربية، وعندما تقدم شقيقه فهد تم تحويله إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات.. لو تغير تاريخ التقديم لكان هذا في مكان هذا، وهذا في مكان ذاك.. لا توجد في وزارة الخدمة المدنية شروط أو مواصفات دينية أو فكرية أو شكلية تحدد الإنسان الذي يعمل في هذا القطاع الحكومي أو القطاع الآخر.. فالوظائف الحكومية محددة وفقاً لطبيعة العمل والتخصص والخبرة وليس لطبيعة الجهاز الفكرية أو توجهات الناس الأيدولوجية، فالمملكة لا ينتظمها أي توجهات من هذا القبيل.. لا توجد في المملكة إدارة مدنية بصفتها إدارة دينية وإدارة غير دينية، وعلى ضوء ذلك لا توجد إدارة تؤمن لموظفيها حماية دينية بصفتها إدارة دينية وإدارة أخرى لا تملك هذا الامتياز.. فموظف الهيئة وموظف وزارة الداخلية وموظف وزارة البترول وكل الموظفين في الدولة متساوون تماماً في الحقوق والواجبات.
إشكالية صغيرة سببت ارتباكاً بين الناس أدت إلى وهم التقسيم.. هناك إدارات مثل وزارة الشؤون الإسلامية تعمل في النطاق الديني وترعى شؤون الناس الدينية كإدارة المساجد، فتداخلت في أذهان الناس وخاصة أذهان العوام منهم طبيعة العمل مع ذات الموظف، فأسبغت طبيعة العمل على الموظف إلى أن وسع بعض العوام مكانة المسجد لتشمل الموظف نفسه.. فأصبح موظف الإدارات التي تعمل في المجال الديني كالهيئة غير قابل للنقد، بل أصبح من الأخيار مطلقاً كما قرأنا في المقالات التي مجدت الهيئة في الأسابيع القليلة الماضية.. وقاد هذا إلى اعتقاد بعض الإخوة أن هذه الإدارات دينية وأي نقد لها هو نقد للدين نفسه.
في ظل الانفتاح الإعلامي ومناخ الحوار السائد، علينا كإعلاميين تكريس مفهوم إسلامية المملكة كدولة - ككل - وليس قطاعات معينة فيها.. لا يوجد في المملكة شيء إسلامي وشيء غير إسلامي.. هناك إدارات تعمل في الشؤون الدينية، العاملون فيها لا يختلفون عن إخوانهم العاملين في الجهات الأخرى إلاّ باختلاف الصلاحيات والمسؤوليات والتخصص.
|