لفت أحد الزملاء نظري إلى عدم دقة الإحصاءات المتوافرة عن إنتاج التمور في المملكة العربية السعودية، وهذا مجرد مثال بسيط يعكس معضلة الإحصاءات التي يعاني منها كل من يرغب في إجراء بحث علمي عن الاقتصاد السعودي. وإذا تجاوزنا السرية التي تفرضها بعض الجهات الحكومية على بعض المعلومات، والتي يمكن أن يخترقها البعض بالجهود والمعرفة الشخصية، فإن من الصعب تفهم نقص بعض المعلومات الأساسية عن الاقتصاد السعودي أو اختلافها من جهة لأخرى. واختلاف المعلومات من جهة لأخرى يضع الباحث عن المعلومة في حيرة من أمره. وأقرب مثال على هذا الاختلاف، هو ما يخص عدد العمالة الوافدة، إذ تختلف الأرقام بين مصادر وزارة الداخلية وما ينشر، على سبيل المثال، في التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي، وهو ما يفترض أن يكون أحد أهم وأدق وأحدث مصادر المعلومات عن الاقتصاد السعودي.ولعل الجدل القائم حول نسبة البطالة في الاقتصاد السعودي يعكس حالة التخبط التي تسيطر على الإحصاءات المتاحة، فإن أخذ الباحث بما يصدر عن مصلحة الإحصاءات العامة، التابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط، وتتبناه وزارة العمل، فإن مصادر اقتصادية أخرى، ومنها بعض المصادر المرموقة في القطاع الخاص، تعرض أرقاماً أكثر قبولاً في المجتمع الذي يلمس البطالة على أرض الواقع ويعتبرها ظاهرة مقلقة.
واحصاءات معدلات التوظيف في أي اقتصاد لها أهمية خاصة باعتبار أنها من أهم مؤشرات الحالة الاقتصادية، ناهيك عن ارتباطاتها الاجتماعية والأمنية والسياسية. واحصاءات معدلات التوظيف تعتمد أساسا على ثلاثة روافد أساسية، وإن كان لكل رافد منها مميزاته أو مساوئه. هذه الروافد تشمل المسجلين بمكاتب التوظيف ومسح الشركات ومسح الأسر. ومن هذه الإحصاءات يتم تقدير نسبة البطالة في الاقتصاد، وإن كان ذلك يتأثر بشكل أو بآخر بالطريقة التي يتم بها المزج بين تلك الروافد الثلاثة، وهذا ما يختلف من اقتصاد لآخر ويختلف عليه الاقتصاديون أنفسهم.
ويعول الاقتصاديون المهتمون بالشأن الاقتصادي السعودي كثيراً على نتائج التعداد العام للسكان والمساكن الأخير، الذي يؤمل أن يكون قد روعيت في إعداده وتنفيذه جملة الملاحظات التي طرحت على التعداد السابق. ويتطلع أولئك الاقتصاديون إلى الإعلان عن نتائج التعداد وتوفير المعلومات التفصيلية التي تم استقصاؤها كافة على شبكة الإنترنت حتى يمكن الاستفادة منها بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب.
وغني عن القول أن ارتكاز القرار الاقتصادي على إحصاءات دقيقة وحديثة، هو عنصر أساسي من عناصر رشد القرار. ولكي تكون الإحصاءات دقيقة وديناميكية في تحديثها في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات، فإن ذلك يتطلب جهة متخصصة مؤهلة تتوفر لها الإمكانات المادية والبشرية والتقنية التي تمكنها من ذلك، ولعل هذا ما نأمل أن يتوفر لمصلحة الإحصاءات العامة التي ألحقت بوزارة الاقتصاد والتخطيط بعد أن كانت مرتبطة بوزارة المالية، في الوقت الذي طالب فيه أكثر من اقتصادي بأن تكون هيئة مستقلة بحيث يعطيها استقلالها المرونة المطلوبة والدعم اللازم.
قد نختلف على مرجعية مصلحة الإحصاءات العامة، ولكننا يجب أن نتفق على أهمية دورها وضرورة أن تكون هي المرجع المعتمد لكل المعلومات التي تخص الاقتصاد السعودي.
* رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض |