أن يتجرع السيد توني بلير الإهانة من نظيره الإسرائيلي أرييل شارون وهو يسمع استنكاف الإسرائيليين من المشاركة في مؤتمر سلام الشرق الأوسط الذي روّج له توني بلير كثيراً، فهذا شأن رئيس الوزراء البريطاني، ووحدها الهيبة البريطانية قادرة على التعامل مع مَن يستهين بالمبادرات البريطانية بالأسلوب الذي يتقنه الإنجليز، أما الذي لا يحق للسيد بلير أن يقوم به فهو التلاعب بالمصطلحات والهروب من إهانات شارون بتوجيه إهانات للشعب الفلسطيني الذي تعد بريطانيا العظمى المسؤولة الأولى عما لحق بهذا الشعب من ظلم ومن مآسٍ وضياع للحقوق.
وفكرة عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط نبعت بعد لقاء السيد توني بلير والرئيس الأمريكي جورج بوش، وكان الحديث هو عن عقد مؤتمر ينشط عملية السلام في الشرق الأوسط بتشجيع الأطراف ذات العلاقة على تنفيذ بنود خطة الطريق (خطة الرئيس بوش) وقد فهم أيضاً أن المؤتمر المزمع استضافته في لندن ستشارك فيه الأطراف ذات العلاقة، وهم الفلسطينيون والإسرائيليون وأعضاء اللجنة الرباعية والقوى الدولية والإقليمية، والهدف هو بث الروح لعودة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.
على أسس هذا الفهم تم الترحيب بالمبادرة البريطانية، وعليه حظيت زيارة رئيس الحكومة البريطانية السيد توني بلير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة و(المحررة) بالترحيب؛ ظناً من المرحبين أن رئيس الحكومة البريطانية سيحشد التأييد لإنجاح مؤتمر سلام الشرق الأوسط.
هذا الظن ومساحات الترحيب تبخرا بعد رفض شارون أمام بلير مشاركة الإسرائيليين في مؤتمر لندن؛ لأن الإسرائيليين لا علاقة لهم بما يبحثه مؤتمر لندن..!!
وكأن السيد بلير على علم بهذا التنصل الإسرائيلي والهروب من أي تجمّع دوليّ لا يتماشى مع الطموحات الصهيونية الاستعمارية التوسعية، فقد فجر السيد بلير مفاجأة غريبة وبعيدة حتى على التفكير البريطاني ولا نقول الأوروبي، لأننا نعلم أن البريطانيين في عهد بلير ناقلون للأفكار الأمريكية التي تنحصر في حيز الانحياز المطلق للأطماع الإسرائيلية، وكان التصور أن البريطانيين، وخاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية، يحاولون التأثير بإيجاد توازن للتعامل مع طرفي النزاع في الشرق الأوسط والاقتراب قليلاً نحو المواقف الأوروبية، إلا أن مفاجأة بلير كانت بتغيير مهام وأهداف مؤتمر لندن من محاولة إعادة تحريك مسيرة السلام وإعادة الدفء للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين باستئنافها بعد انتخاب القيادة الفلسطينية الجديدة إلى تجمع لإصلاح الوضع الفلسطيني من خلال دراسة تحويل البنيات الأساسية للحكم الفلسطيني إلى كيانات ديمقراطية وتعزيز المؤسسات الأمنية.
وهكذا تبخرت الأماني بتحويل مؤتمر لندن من مؤتمر لإعادة مسيرة السلام إلى محطة جديدة لفرض استحقاقات جديدة على الفلسطينيين تكبلهم وتمنح مبررات وأدوات جديدة للإسرائيليين لسلب حقوق أخرى من حقوق الشعب الفلسطيني.
|