* هاتفني نفر كريم من متابعي هذه الزاوية مشيدين بالحلقات(*) الخمس التي سردتُ عبرها قصة دخولي إلى (عالم) الوظيفة الحكومية، بدْءاً بالملابسات التي تقاطعت مع تلك المهمة، وانتهاءً ب(الحل) السعيد الذي حسم الموقف لمصلحة طموحي في التوفيق بين غايتين: الدراسة العليا والعمل الميداني.
***
* وقد تَمنَّى عليَّ نفر آخرون الاستمرار في تدوين (سيرتي الإدارية) وفَْقَ النسق الذي قرأوه، وأشاروا إلى أن تلك الحلقات قد كشفت لهم عن قدرة (روائية) لدى كاتب هذه السطور، وهو أمر لم آمر به ولم أسع إليه وقت التحضير لتلك الحلقات، بل كان (حدثاً) تلقائياً أملته حيثيات الطرح نفسه، ولم يكن للخيال الروائي دور يذكر في صياغتها، فكل الأحداث التي ورد ذكرها في الحلقات الخمس حقيقة لا ادعاء فيها ولا خيال!
***
* ولقد حفزني ردود فعل الأحبة القراء لكتابة مقال اليوم أدوِّن من خلاله بعض التعليقات أوجزها في التالي:
* أولاً: أشكر الله أولاً وأخيراً أن أعانني على تجاوز العديد من العقبات في مشوار العمر بشقيه: الأكاديمي والعملي، ومنحني قدراً أزهو به من الخبرة عبر نحو ثلاثة عقود من الزمن، مسلماً في الوقت نفسه أنني ما برحت افتقر للمزيد: علماً وخبرة وجهداً.
***
* ثانياً: إنني مدين بعد الله ، لعدد من الرموز الإنسانية الكريمة في بلادي، منهم من حمله قارب الوظيفة بعيداً إلى شاطئ (التقاعد)، ومنهم من توفاه الله، وقد كان لكل منهم شأن يعنيه في تلك (الملحمة) الشخصية التي وضعتني على أعتاب الوظيفة الحكومية قبل أن يطرأ موقف مفاجئ يصرفني عنها أو يصرفها عني عامين كاملين تقريباً، لا ستئناف الدراسات العليا في أمريكا.
وأخصّ بالعرفان، الآتية أسماؤهم:
* 1: معالي الشيخ حسين بن عبد الله آل الشيخ (وزير المعارف الأسبق) طيَّب الله ثراه، الذي احتضن موضوعي تعاطفاً منه ونبلاً، بعد أن وصل بي الأمرُ إلى ما يُشْبه النفق المسدود، لا أملك فيه حِراكاً أو نفاذاً، فلم يخذلني معاليه حين قصدته ل(فك الاشتباك) بيني وبين الوظيفة الحكومية، ومكنني من العودة إلى أمريكا لاستئناف مشواري الأكاديمي.
***
* 2: معالي الشيخ حسن المشاري، (وزير الزراعة والمياه) الأسبق، الذي غمرني بنبله وثقته، فاصطفاني لشغل وظيفة في وزارته، لكن تلبية رغبة معاليه لم تأتلف مع ما كنت أضمره حين عدت إلى المملكة من البعثة الأولى، على نحو ما سردته عبر الحلقات الخمس، وقد نلت التوفيق في نهاية المطاف بحل عملي حرّرني من الحرج مع معاليه ومع نفسي، دون أن أخسر أيّاً منهما!
***
*3: معالي الأستاذ فهد الدغيثر (مدير عام معهد الإدارة الأسبق) الذي كرمني باستضافة رغبتي للعمل في المعهد بادئ الأمر، وهو لا يعلم عنّي إلا ما تناقلته ألسنة البرّ بشأني، وكان أول رئيس لي خضت معه تجربة وظيفية سخية دامت خمس سنوات، كانت في جملتها بمثابة (شهر عسل) وظيفي لم أنس بعدُ حلاوته حتى الآن!
***
*4: الإخوة الكرام: سمو الأخ الأمير خالد بن فهد بن خالد، المشرف العام سابقاً على البعثات الخارجية بوزارة المعارف ومعالي الأستاذ خالد القصيبي (وزير الاقتصاد والتخطيط)، والمسؤول سابقاً في (وزارة الزراعة والمياه) إبان ولاية معالي الوزير المشاري، وزميله العزيز في الوزارة ذاتها، سعادة الأستاذ صالح المساعد، ثم سعادة الدكتور عبد العزيز بن عبد الله العوهلي، العسكري والإداري والاقتصادي المخضرم، وسعادة الدكتور خالد المسعود نائب المشرف على البعثات الخارجية سابقاً في وزارة المعارف، فقد كان لكل من هؤلاء الإخوة الكرام نصيب من النبل في مساعدتي على تجاوز محنة (الأسر الوظيفي) ومدّي بالنصح والمشورة الصالحة.
***
*5: وأخيراً وليس آخراً، لن أنسى فضل سيدي الوالد، رحمه الله وأرضاه، فقد كان لي بعد الله عوناً وناصحاً أميناً، مفضلاً منحي (حرية المبادرة) في القول والعمل، غير ضانٍّ عليَّ بالمشورة الحسنة كلما اتجهت إليه مستنصحاً أو مستشيراً، وقد اعتبرت ذلك (وشاح) ثقةٍ أبويةٍ كريمةٍ شهد لي بالقدرة على (إدارة) أزمتي بنفسي، وبعونٍ كريمٍ بعد الله من أصحاب الفضل والرأي الحصيف!.
***
* أخيراً، لا أستطيع مغادرة ساحة هذا الحديث دون الإشارة إلى مفارقةٍ عجيبةٍ هي أن الأجهزة الحكومية كانت قبل أكثر من عقدين ونصف من الزمن (تتنافس) في استقطاب الخريج الجامعي للعمل بها، وكان هذا (التنافس) يُحدِثُ في وجدان الخريج شيئاً من أرقٍ وشيئاً من قلقٍ بسبب (التّرف) في اختيار الوظيفة: أيها يصطفي وأيها يدع.! أما اليوم.. فقد بات الخريج الجامعي يعاني الكثير من القلق والأرق بسبب مشقة (الوصل) ب(الوظيفة الحكومية) ناهيك بالمنافسة القياسية مع آخرين للفوز بها!
وسبحان مبدل الأحوال، وله الحمد أولاً وآخراً!.
(*) نشرت في (الجزيرة) في التواريخ التالية:
10-10 ،17-10، 24-10، 1-11، 8-11 من هذا العام 1425هـ. |