برعاية وتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز - أمير المنطقة الشرقية ورئيس مجلس إدارة جمعية البر في الشرقية - وبمتابعة من صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود - نائب أمير المنطقة الشرقية نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية -، عُقد في نهاية الأسبوع قبل الماضي اللقاء السنوي الخامس للجهات الخيرية تحت عنوان (الإعلام والعلاقات العامة وأثرها على الجهات الخيرية).. وقد جعل المنظمون لهذا اللقاء شعاراً.. ورؤية.. ورسالة لملتقاهم الخامس.
لقد كان الشعار (من أجل علاقة أوثق بين الإعلام والعمل الخيري)، وكانت رؤية اللقاء (بناء صورة ذهنية إيجابية لدى أفراد المجتمع عن الجهات الخيرية)، أما رسالة اللقاء فهي (تمكين الجهات الخيرية من الاستفادة من وسائل الإعلام والعلاقات العامة المختلفة وإيجاد سبل التواصل بينهما وبين أفراد المجتمع لتتمكن من قيامها بدورها التنموي في المجتمع).
ويشارك في اللقاء عدد من الأكاديميين والباحثين المختصين والمساهمين في العمل الخيري.. وكان لي شرف المشاركة بورقة عمل عنوانها (دور الإعلام المحلي في بناء الصورة الذهنية الإيجابية عن العمل الخيري في المملكة العربية السعودية). وإنني إذ أشكر اللجنة المنظمة على حرصها ومتابعتها واهتمامها وحثها للمشاركين على الحضور وإبداء وجهات النظر التي يعتقدونها بكل شفافية، وإثراء جلسات اللقاء ودوراته التدريبية وحلقاته النقاشية والاستشارية، فإنني أسجل بكل اعتزاز ما وصلنا إليه من حسن التنظيم وجودة الرعاية مقارنة بما رأيته وسمعت عنه في مؤتمرات وندوات ولقاءات في دول أخرى عربية ودولية، لها قدم السبق في احتضان مؤتمرات عالمية.
لقد كان كل شيء رائعاً: الزمان، المكان، التنظيم، أوراق العمل، المطبوعات، الدورات التدريبية، ورش العمل، الجلسات الاستشارية، المداخلات والحوارات، وأخيراً التوصيات التي كانت خلاف المعتاد، كانت محددة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كلها في دائرة الممكن ولا تميل إلى جهة أخرى ليست حاضرة.. وهي حصيلة جلسات العصف الذهني للمشاركين المتحدثين، والمداخلات العديدة التي كانت عقب كل جلسة.. ولاستمارات التقويم للجلسات ولأوراق العمل وللمتحدثين دور فاعل لرسم استراتيجية الجمعية في تنظيم اللقاء القادم بإذن الله.
إنَّ أهم ما في هذه اللقاءات وما تلاها من مؤتمرات وندوات عامة ومتخصصة هي تلك التوصيات التي تصدر عنها.. ولذا أعتقد أن الفعاليات الحقيقية لهذه التجمعات العلمية والفكرية المتخصصة تبدأ بعد أن ينتهي هذا اللقاء أو ذاك المؤتمر، حيث تتجه المؤسسات المعنية إلى تنفيذ ما توصلت إليه هذه اللقاءات طمعاً في جني الثمرة وتحقيق التقدم والنجاح.. وبهذا نوجد عملاً تراكمياً إبداعياً تنميه مؤتمرات متخصصة يشمر لها أهل الاختصاص وأصحاب الخبرة الذين أعملوا عقولهم وأنتجوا أفكاراً رائدة وآراءً إبداعية متميزة.
إنَّ التوصيات التي أفرزتها كثير من مؤتمراتنا العربية لا تجد طريقها إلى أرض الواقع وللأسف الشديد؛ إذ أنها غالباً ما تبقى حبيسة الأدراج حتى يأتي باحث يسعى للحصول على درجة علمية في تخصص ما فينتشلها من رفوف الماضي وينفض عنها التراب الذي علق بها بل علاها.. وهذه هي نقطة الاختلاف بيننا - نحن العرب - وبين الدول المتقدمة التي تولي مثل هذه الفعاليات الاهتمام والعناية.
إنَّ هناك انفصاماً ملحوظاً بين المفكر - الباحث المشارك بنتاج عقله في المؤتمرات والمنتديات المختلفة ومتخذ القرار على أرض الواقع أياً كان نوع هذا القرار.. وما سبق الإشارة إليه هو مجرد مؤشر واحد من عدة مؤشرات لهذه الإشكالية التي لها أثر خطير على مسارنا التنموي وبنائنا الحضاري العربي.
لقد أصبح البعض من المشاركين في هذه الفعاليات العلمية سواء الداخلية أو حتى الخارجية لا يكترثون بما يقال في الجلسة الأخيرة المخصصة غالباً للنتائج والتوصيات، بل إنك تسمع من بعض الأكاديميين أنه جاء مشاركاً فقط لتغيير الجو وأخذ قسط من الراحة ظناً منه بأنه لن يجد في جعبة الموجودين جديداً، وجزماً منه بأنه لن يكون لهذا الصوت الأكاديمي المفكر به في مؤتمراتنا العلمية سامعاً.. إلى هذه الدرجة وصل الحال؟!.. ولذا صار البعض من المنظرين المتشائمين يعتقد أن هذه المؤتمرات وتلك الندوات المتخصصة لا داعي لها، بل هي تضييع وقت وجهد وصرف للأموال بلا مبرر معقول.. الأمر الذي جعل جمعاً من الأكاديميين المرموقين في بلادنا يعزفون عن المشاركة في هذه الملتقيات العلمية خاصة في ظل البيروقراطية الإدارية التي أجبرت البعض على التصرف الخاطئ حين طلب الموافقة للمشاركة الخارجية.. إضافة إلى عدم الاعتداد بالبحوث العلمية التي يقدمها الباحث للمؤتمرات أو الندوات المتخصصة المحكمة حين الترقية العلمية إلا بوحدة واحدة مع أنها تخرج بين دفتي كتاب مع بقية أبحاث المؤتمر.وهذا خلاف ما هو مقنن ومعروف ومعمول به في كثير من الدول الأجنبية والعربية مما يجعل لدى الأكاديميين دافعاً إيجابياً للمشاركة وإثراء حلقات النقاش في ساحاتنا العلمية.
إنني أعتقد أنه من المناسب وجود لجنة متخصصة مشتركة عالية المستوى تدرس ما يتوصل إليه في المؤتمرات والمنتديات العلمية المحلية والخليجية والعربية من توصيات مجتمعية ذات أثر شمولي يهم شرائح مختلفة من أبناء هذا الوطن، ولتكن منبثقة من مجلس الشورى ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وثلة مختارة من الأكاديميين في الجامعات السعودية، ووضع الآليات الممكنة لنقل هذه التوصيات من كونها حبراً على ورق إلى واقع معاش.. وما كان منها غير ممكن في هذا الزمن أو أنه مستحيل التطبيق والواقع يرفضه فيتم تنبيه اللجنة المنظمة خاصة إذا كانت محلية لتكون توصياتنا المستقبلية ذات أثر مباشر على مسار حياتنا التنموية في وطننا العزيز المملكة العربية السعودية.
|