«الحلقة الأولى»
أقامت جامعة الملك سعود بالرياض معرضاً للكتاب في الفترة من 7 شعبان 1425هـ وحتى اليوم الجمعة 17 شعبان 1425هـ، وهو معرض دولي دأبت الجامعة على إقامته كل عامين، فكان تظاهرة ثقافية علمية رائعة تضاف إلى رصيد مدينة الثقافة والعلم (مدينة الرياض).
إن ما يحق لمدينة الرياض الافتخار به، وجود منارات إشعاعية وعلمية وثقافية، وخزائن كتب ومكتبات قد لا يوجد مثيلٌ لها في أيّ مدينة من مدن الشرق الأوسط عموماً، فمكتبة الأمير سلمان بن عبدالعزيز (مكتبة جامعة الملك سعود سابقاً) تعد من أضخم المكتبات في الشرق الأوسط إن لم تكن أكبرها، ناهيك عن مكتبة جامعة الإمام، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومركز الملك فيصل، ودارة الملك عبدالعزيز، ومركز سعود البابطين.. إذ تحوي في مجموعها ملايين الكتب، وملايين الوثائق والمواد المحفوظة، وعشرات الآلاف من المخطوطات الأصلية والمصوّرة، ولا شك أن إقامة مثل هذه المعارض الدولية للكتاب تنمِّي هذه المكتبات والمراكز وترصد الجديد من الإنتاج الفكري والعلمي المتنوع في موضوعاته وأشكاله.
ومن زار معرض الكتاب لهذا العام ورأى المئات من دور النشر والمكتبات التي شاركت في هذا المعرض واجتمعت تحت سقف بهو الجامعة العظيم، بتنظيم جيد، وتنسيق جميل؛ يشعر بالإعجاب والسعادة وهو يرى الزوار والقراء الذين قدموا من جميع مناطق المملكة المختلفة يقبلون على اقتناء هذه الكتب وشرائها، والاطلاع على ماهو جديد مما تقذف به المطابع المتعددة.
ويبدو أن المسؤولين في الجامعة صار لديهم دربة وخبرة في تنظيم مثل هذه المعارض، فبدأوا يحاولون التجديد والتطور، إذ وضعت جميع الكتب المعروضة للبيع في قاعدة معلومات آلية ضخمة (تشمل عنوان الكتاب ومؤلفه وسعره ومكان البيع)، ونسخت على (قرص آليّ) وزّع على الحضور في حفل الافتتاح، ليسهل على زائر المعرض الوصول إلى أي كتاب يريده، وفوق ذلك نشرت هذه القاعدة في موقع الجامعة على شبكة (الإنترنت)، وهذه خدمة عظيمة لمن لم يكن داخل المعرض أن يستعلم عن الكتاب وهو في منزله. كما أن الجامعة قامت في هذا العام بتنظيم محاضرات وأمسيات في أيام المعرض استضافت فيها بعض الباحثين والأدباء.
وإذا كان هناك ملاحظات على التنظيم فهو في عدم التنسيق مع الدول العربية الأخرى التي يقام فيها معارض دولية للكتاب، فقد توافق إقامة هذا المعرض مع معرض صنعاء الدولي للكتاب، وهذا ما يفسِّر غياب الدور والمكتبات اليمنيّة من المشاركة في المعرض. كما أن هناك بعض القصور في الخدمات العامة كضيق المصلّى، وعدم توفر الأماكن الكافية والملائمة للوضوء.
ومع أن المعرض كان أقل حجماً من المعرض السابق، إذ اقتصر في هذا العام على البهو دون الجناح المطل على المكتبة، أو الجناح الآخر المجاور لإدارة الجامعة، إلا أنه بقي متميّزاً، ومنظماً، وشاملاً لكثير من الدول والبلدان.. ولعل اكتمال المقر الجديد والكبير للمعارض في الجامعة (مركز الأمير سلطان الثقافي) سيلبي بلا شك رغبات الدور والمكتبات في المشاركة، وهو من جهة أخرى دليل على نية الجامعة الصادقة في الاستقمرار برسالتها الثقافية في هذا المعرض.
ومما يسعد الإنسان في هذا المعرض هو حرص المراكز الثقافية والعلمية، وحرص الجامعات المحلية والخليجية والعربية على المشاركة، سواءً بالبيع أو عرض إصداراتها الجديدة، فيتعرف الزائر على أهداف تلك الجهات العلمية ونشاطاتها، كما يمكِّن المهتم التعرف علىآخر إصداراتها.
وخلال جولتي على المعرض رأيت الكثير من الكتب الجديدة، والمصادر المحقّقة، والبحوث المحكمة وسأطلع القارئ الكريم على بعض الإصدارات الجديدة التي خرجت خلال العامين السابقين مع التعريف على المختصر بكل كتاب، وقد قسّمت هذه الكتب إلى عدة أقسام:
أ- الكتب والموسوعات التاريخية، وتواريخ البلدان والجغرافيا التاريخية:
1- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، لشهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري المتوفى سنة 749هـ، وهو من إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي، عام 1424هـ: كتاب مسالك الأبصار يعد من أكبر الموسوعات الشاملة لكثير من الفنون في التأريخ والجغرافيا والتراجم والأنساب والأدب والشعراء وغيرهم، ويوجد نسخة مخطوطة (مصوّرة) من هذا الكتاب في 27 مجلدًا (محفوظة في مكتبة الأمير سلمان بجامعة الملك سعود بالرياض)، ونظراً لضخامة هذا الكتاب فقد أُخرجت فقط بعض أجزائه من محققين ودور نشر مختلفة، وتنوي إدارة المجمع الثقافي في أبوظبي إخراج الكتاب كاملاً، فقد قامت بتقسيم أجزائه على عدة مختصين لتحقيق الكتاب (وتقوم كل مجموعة بتحقيق أحد الأجزاء)، وقد خرج بعض الأجزاء وينتظر خروج البقية.
ويعد السِّفر الرابع (ممالك اليمن والغرب الإسلامي وقبائل العرب) مرجعاً أساساً للباحثين في تاريخ المملكة، إذ يعتبر حلقة وصل بين تواريخ المملكة في العصر الحديث والعصر الإسلامي نظراً لاعتماده على كتب ومؤلفات بعضها صار مفقوداً، ثم إنه اطلع على وثائق ومواد من سجلات ملوك مصر الخاصة بالجزيرة العربية والشام، والهبات التي تصرف لزعماء القبائل العربية الموجودة في نجد والحجاز وغيرها، لذلك تجد أن كل كاتب من تأريخ أي قبيلة أو بلدة في نجد لا بد أن يكون هذا الكتاب من مصادر بحثه.
وأحب أن أنبِّه إلى أن هذا الإصدار خلا حتى الآن من الكشّافات المخصصة في آخر كل جزء، وذلك انتظاراً منهم أن تخرج كل الأجزاء المتبقية فتوضع كشافات شاملة لها جميعاً، مما يجعل الوصول إلى المعلومة في الكتاب متعبةً حتى صدور آخر جزء من المجموعة.
2- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار: لشهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري 749هـ، من إصدارات مركز زايد للتراث والتاريخ عام، عام 2002م: ونرى أن هذا الكتاب (مسالك الأبصار) هو الكتاب السابق نفسه، ومع ضخامة هذا الكتاب وكثرة الفريق العلمي الذي يعمل عليه فقد خرج من جهتين علميتين مختلفتين، مع أن كلا الجهتين في إمارة واحدة، إلا أنه حصلت ازدواجية؛ فلو كان هناك تنسيق وتنظيم لاختصرت كثير من الجهود، واقتصد في كثير من الأموال.
ويختلف إصدار مركز زايد للتراث عن المجمع الثقافي أن المركز لم يقم بتحقيق الجزء الأول ولا الجزء الثاني لأنه سبق تحقيقهما من بعض الجهات الأخرى فيما مضى، فوضع لكلِّ جزءٍ فهرسة خاصة، أما المجمع الثقافي فخطته تشمل تحقيق الأجزاء المحققة سابقاً من جهات أخرى، فلذلك ستوضع الفهارس بعد نهاية التحقيق لجميع الأجزاء.
3- مخاليف اليمن (القسم الأول)، القاضي إسماعيل بن علي الأكوع، 331ص، من إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي، 1423هـ: والكتاب عبارة عن مقالات نشرها المؤلف طيلة ثلاثين سنة في مجلتي مجمع اللغة العربية في الأردن وسوريا، ثم أعاد ترتيبها والتعليق عليها من جديد، إذ جمع كلام المتقدمين عن نواحي اليمن ومدنها، وحدّده ثم علّق عليه، وأضاف التقسيمات والمسميات والمحافظات الجديدة. والكتاب جيد ودقيق عن أسماء تلك المناطق وقبائلها.
4- بلاد الحرمين في العصر العباسي الثاني، د. إبراهيم عطا الله البلوشي، 347ص، وهو من إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي عام 1423هـ.
وهذا الكتاب رسالة جامعية خرجت من جامعة الإمارات لتغطِّي تاريخ غرب الخليج العربي من الكويت وحتى عمان منذ نشأة دولة القرامطة عام 286هـ، وحتى قيام دولة العيونين ثم دولة بني عقيل.. ويتميّز هذا الكتاب بالتركيز على تاريخ المنطقة في تلك الفترة، واعتماده على بعض المراجع الفارسية والأوردية.
5- التأريخ السياسي لمنطقة شرق الأردن (من جنوب الشام) في عصر دولة المماليك الثانية، شوكت رمضان حجة، 308ص، الأردن، إربد، ط1، 2002م: ويتميز الكتاب أنه أفرد أكثر من 120 صفحة للحديث عن دور القبائل العربية السياسي في تاريخ الأردن في ذلك الوقت كقبائل (بني عقبة، وبني مهدي، وبني صخر، وبني لام، وبني عطية، وعرب آل مرا).
6- تأريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف (927-978هـ)، علي بن إبراهيم الدرورة، 350 ص، من إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي، 1422هـ: وهذا الكتاب يركّز على تأريخ القطيف بين دولتين الدولة الجبرية (821-927هـ)، والدولة العثمانية (954-1080هـ) وما بعدها في فترة زمنية تقارب ربع قرن من الزمان، وقد اعتمد كثيراً في دراسته على البحوث القيمة للدكتور عبداللطيف الحميدان، ومجلة الوثيقة البحرينية، ومذكِّرات البحارة البرتغاليين وغيرهم.
7- جداول تأريخ أمراء البلد الحرام (مكة المكرمة) من عصر النبي حتى عصرنا الحاضر 1419هـ عبدالفتاح بن حسن رواه المكي (1324هـ لايزال على قيد الحياة حال تأليف الكتاب)، ص340: وهو كتاب منظم وجيد ومختصر في تأريخ مكة، حيث وضع جدولاً ذا ثلاثة أعمدة، في الأول اسم الأمير حيث يذكر اسمه كاملاً، وفي العمود الثاني يذكر تأريخ توليته، والعمود الثالث معلومات وإيضاحات يذكر فيها كثيراً من الوقائع والأحداث المهمة في فترة ولاية ذلك الأمير.
وقد زوِّد هذا الكتاب ببعض الخرائط، كما أنه أسهب أحيانًا في بعض الأمور التاريخية المهمة والشخصيات البارزة، ووضع لها فصولاً خارج هذه الجداول.
ب- الوثائق والتأريخ الشفهي:
1- من وثائق الأرشيف المصري في تأريخ الخليج وشبه الجزيرة العربية، جمع وإعداد الأستاذ الدكتور عبدالغني إبراهيم، وهو من إصدارات مركز زايد للتراث والتأريخ بمدينة العين في الإمارات، 1422هـ: يحوي هذا الكتاب ملخصات من (وثائق عابدين) أو (وثائق القلعة) المحفوظة في دار الأرشيف المصري الخاصة بتأريخ نجد والحجاز واليمن ودول الخليج من ساحل عمان، وحتى جنوب العراق، ويرصد تاريخ التدخل المصري في المنطقة طوال أربعين عاماً (1266-1222هـ) منذ تدخلهم لإسقاط الدعوة السلفية، وحتى إرغام الدول العظمى قوات محمد علي باشا بالانسحاب من (كل مصر خارج مصر)، وهذا العمل ضروري لكل باحث في تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية، كما أن (مركز زايد للتراث والتاريخ) سبق مراكز حفظ الوثائق في الخليج بأجمعه في القيام بمثل هذه الخطوة وإتاحتها للباحثين.
2- المرجع في وثائق تأريخية عن الشام في أثناء حملة محمد علي باشا (1247- 1256هـ) جمعها الدكتور يوسف نفيسة الأستاذ في قسم التأريخ بجامعة دمشق، 565ص، منشورات جامعة دمشق، كلية الآداب 1424هـ. وهو كتاب يعرض الوثائق بحملة محمد علي باشا كاملة دون حذف، مما جعله مليئاً بالأخبار التفصيلية عن الرحلة؛ من إحصائيات مالية، وعسكرية، وأحداث تتعلَّق ببادية الشام.
وأهم مافي الكتاب للمهتمين بتاريخ الحجاز هو التفاصيل الدقيقة للصرة الصنوية في عام 1248هـ والعوائد والهبات التي تصرف لأهل الحرمين من أمراء وأشراف ومفتين وأئمة ومؤذنين، وزمازمة ومجاورين ومدّاحين وخدّام الأماكن المقدّسة، فقد ذكرت أسماؤهم بالتفصيل ومقدار أعطياتهم من النقود والخلع، كما ذكر أيضاً أمراء القبائل التي يمر بها طريق الحج كقبيلة حرب، وقبائل عنزة (الحسنة وولد علي)، وقبيلة بني صخر، وقبيلة الحويطات، وبني عطية.
3- نجد والحجاز في الوثائق العثمانية (الأحوال السياسية والاجتماعية في نجد والحجاز خلال العهد العثماني)، سنان معروف أغلو، 200 ص، بيروت، دار الساقي 2002م. وعنوان الكتاب فيه تدليس على القارئ، فليس في داخل الكتاب سوى 56 وثيقة تواريخها بين عام 1270 - 1333هـ فهي لا تغطي سوى بعض الأخبار في جزء يسير من تأريخ الدولة العثمانية، وتلك الوثائق المذكورة تشمل رسائل بين الدولة العثمانية وأشراف مكة، وآل عايض، وأئمة الدولة السعودية الثانية والثالثة، وإمارة آل رشيد، وهي ليست ذات أهمية تأريخية ينمّ عنها عنوان الكتاب!!
4- سلسلة التأريخ الشفاهي: رجال في تاريخ الإمارات، الجزء الثاني، تأليف الدكتور عبدالله الطابور، من إصدارات مركز زايد للتراث والتاريخ في مدينة العين في الإمارات عام 1423هـ: وهو عبارة عن تراجم وسير لـ 18 شخصية من الإمارات العربية المتحدة، وقد أخذت تلك السير من أفواه المترجمين، أو من أفواه أشخاص عاصروا المترجمين، لذلك فالكتاب مليء بفوائد في التاريخ والتعليم وحركة طباعة الكتب والتأليف في دول الخليج، كما أن الكتاب ترجم لشخصيات كان لها علاقة بنجد والأحساء. (للحديث بقية).
* باحث في تاريخ الجزيرة العربية |