Sunday 26th December,200411777العددالأحد 14 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

لا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .. يا دكتورة فوزية!! لا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .. يا دكتورة فوزية!!

الدكتورة فوزية عبدالله أبو خالد صاحبة قلم ورأي وتجربة في الحياة، وهي في كل ذلك جديرة بالاحترام والتقدير، وهي زميلة تجمعني بها الكتابة كل خميس على صفحة المقالات بهذه الصحيفة الغراء ... ولهذه الأسباب جميعاً أتابع ما تكتب باهتمام فنحن بحاجة إلى المرأة التي تخوض في كل البحار وتجيد السباحة في كل الأنهار بمهارة ووعي واقتدار.
والدكتورة فوزية كذلك، لأنها امرأة مثقفة تختلف عن بعض المتعلمات اللاتي حصلن على شهادات عليا ولكنهن لا يجدن الحديث أو الكتابة خارج موضوع بحث الدكتوراه الذي حصلن به على الشهادة، ومثلهن رجال لم يتموا قراءة كتاب واحد خارج دائرة تخصصهم الأكاديمي!
لذلك فإن مثلها يوجب عليه العتب .. ومثلها يتقبله ...
وعتبي على مقالها الأخير (الطفولة والعنف) المنشور يوم الخميس 11-11- 1425هـ بهذه الصحيفة الغراء انها استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، فاستدلت بعدم جواز العنف ضد الأطفال والعنف الأُسري بأدلة من مواثيق الأمم المتحدة!!
أقول للدكتورة فوزية نحن أمة ليست بحاجة أن تستدل بأنظمة الأمم المتحدة أو غيرها من القوانين الوضعية التي ظهرت في القرن العشرين ولم تستطع أن توقف انتهاك الأقوى لحقوق الأضعف والأصغر على مستوى الدول والأفراد، والمثال الذي ضربته الدكتورة فوزية في آخر مقالها أكبر دليل على ذلك، فإسرائيل وأمريكا أكثر من يمارس العنف ضد الدول وضد الأطفال الذين يموتون يومياً في فلسطين بسلاح وتأييد أمريكي وبسلاح وأيادٍ أمريكية في العراق، ولم تحرك الأمم المتحدة وأنظمتها ساكناً.
فهل نحن بحاجة أن نستدل بما قالته الأمم المتحدة عندما نريد أن ندعو إلى الرفق واللين والاحترام في التعامل الأُسري وإلى الرحمة بالأطفال في مجتمعاتنا المسلمة التي تذوق الأمرَّين من الأمم المتحدة ومن الذين أنشأوها ولم يعملوا بأنظمتها؟!
نعم .. يا دكتورة فوزية ففي ديننا الذي أُنزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الحقوق والوصايا التي تنظم حياة الإنسان في مختلف مراحل عمره منذ الطفولة حتى الشيخوخة وتكفل له كرامته رجلاً أو امرأة، وتوضح له طريق العيش الحر الكريم وترسم له منهاج التعامل مع الآخرين في مختلف الأعمار ومختلف درجات الصلة والقربى .. في كل ذلك ما يغنينا ويغني الإنسانية كلها لو عملت به عن كافة الأنظمة والقوانين التي تنادي بها المنظمات الأممية والجمعيات الإنسانية.
فليس أعظم من ديننا - يا دكتورة وأنت أدرى - في الدعوة إلى الرحمة والتعاطف واللين والاحترام للآخرين كباراً وصغاراً .. وهذه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم موسوعة تربوية عظيمة في التعامل مع الأطفال ومع المرأة والأُسرة يتجاهلها ورثة هذا التراث إلى الكتب التربوية المترجمة عن الغرب في التربية ونظرياتها التي لم تقدم جديداً أكثر مما جاء به وفعله محمد صلى الله عليه وسلم .. ولكنها عقدة النقص فينا منذ استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
يقول الصحابي الجليل أنس بن مالك: (ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله) رواه مسلم .. وأين آباء اليوم من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأطفال حين أطال السجود فسأله أصحابه فقال: (إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) ويقصد الحسن أو الحسين (رواه أحمد والنسائي). أليس هو القائل: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا) (رواه أحمد والحاكم)، وهو القائل: (من لا يَرحَم لا يُرحَم) (متفق عليه)، وجاءه يوماً أعرابي فقال: اتُقبِّلون صبيانكم؟ فما نقبِّلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أو أملِكُ لك ان نزع الله من قلبك الرحمة؟!) (رواه البخاري).
لهذا لا أظننا بحاجة - يا دكتورة - إلى الاستعانة بأقوال ومواثيق الأمم المتحدة لتبصير أبناء أمتنا بحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الإنسان والحث على نبذ العنف والدعوة إلى السّلم في كل شيء فذلك كله في الإسلام عقيدتنا ومنهاج حياتنا وعصمة أمرنا، والأفضل لرسالتنا بصفتنا أصحاب قلم أن نضرب بديننا الأمثلة فهو أبلغ تأثيراً في أبناء قومنا وجلدتنا إذا كانوا حقاً يريدون العمل بما يؤمنون به، وهم الذين يتلون في كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}، وفيه أيضاً: {ولَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
.. معذرة يا دكتورة لا أعتقد أنني أضفت إليك ولا للقراء الكرام جديداً ولكنه تذكير يحتاجه القارئ من الكاتب والكاتب من القارئ، والحق أحق أن يتبع، والعالِم الحق لا يستكبر على الحق، وأنتِ منهم في خدمة مجتمعك ووطنك وأمتك موفقة بمشيئة الله وتقديره وهداه.

د. محمد أبوبكر حميد


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved