من يتابع ما كتب من تقارير سياسية واقتصادية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن الإرهاب ودعمه ومحاربته بكل الوسائل ومحاربة مَنْ يتعاونون معه - حسب مفهوم الجهات التي تكتب تلك التقارير- يدرك أنَّ هنالك ركاماً هائلاً من المعلومات الخاطئة، والأحكام الجائرة، والتقارير المبالغ فيها، ترتبط جميعها بعالمنا الإسلامي، وبالمسلمين جميعاً، وببعض الدول الإسلامية الكبرى التي تدعم الأعمال الخيرية في أنحاء العالم.
إنها تقارير كثيرة قدمتها مراكز أبحاث ضخمة في أمريكا وأوروبا إلى الدول الكبرى تتضمن معلومات يختلط فيها الصواب بالخطأ والحق بالباطل وتُبنى عليها أحكام وقرارات مصيرية، كان من بينها قرارات الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق، وما قد يتلوها من حروب تنطلق من فكرة محاربة الإرهاب وأهله وداعميه.
أما محاربة الإرهاب الدولي بصورته الموجودة المتمثلة في تدمير المنشآت والمنازل وقتل جماعات من الأبرياء الذين لا دور لهم في شيء من الأحداث الجارية في العالم، فإنها هدف للجميع، فكل أهل العقول الراشدة يتفقون على وجوب الوقوف في وجه كل عمل إرهابي يهدر الحقوق، ويسفك الدماء سواء أكان رسمياً أم غير رسمي. ولا أظن أن بشراً يملكون عقولاً سليمة في الغرب أو الشرق يرضون بذلك الإرهاب والإرجاف الذي يروِّع الآمنين, ويمزِّق شمل المجتمعات البشرية.
نعم, محاربة هذا الإرهاب الدامي هدف يتفق عليه الجميع, ويتوق إليه الجميع، وإنما تكمن المشكلة ويتركز الخلاف في دائرة تفسير معنى الإرهاب، وهل هو خاص بجماعة دون جماعة، وبأهل دينٍ دون غيرهم, أم أنَّه يجري في العالم كلِّه، منطلقاً من ثقافة منحرفة، وفهم أيديولوجي خاطئ تحمله بعض الجماعات وتنطلق من خلاله؟
وهل تُعَدُّ كل جمعية خيرية تدعم الفقراء والمساكين، وعوائل وأطفال ضحايا الإرهاب في العالم جمعيةً إرهابية لابد من عقابها ومحاربتها بتجميد أموالها, وتقليص أعمالها الخيرية؟
وهل يُعَدُّ كل داعم لعمل الخير, أو مرشدٍ إلى الحق، أو داعيةٍ إلى الدين - خاصة الدين الإسلامي- أو منتقدٍ لبعض الاتجاهات السياسية الغاشمة، المناقضة لمبادئ الديمقراطية التي تنادي بها، هل يعد هؤلاء إرهابيين أو داعمين للإرهاب؟.
إنَّ المطّلع على كثير من التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات والمراكز في العالم الغربي يدرك خطورة المعلومات المغلوطة, والتفسيرات الخاطئة المتعلقة بعالمنا الإسلامي, والدول الإسلامية خاصة والمملكة العربية السعودية بصورة أخصّ، فهنالك سيل جارف من المقالات والتقارير والتحقيقات أذيع, ونشر في عددٍ كبيرٍ من وسائل الإعلام الغربي، يقوم على الإساءة إلى الإسلام والمسلمين, ويؤسس لفهم خاطئ ينتشر بين الناس في أمريكا وأوروبا عن الإسلام وأهله، وعن الدول الإسلامية التي تدعم أعمال الخير, ويغرس في عقول الناس هناك معلومات مكذوبة أو مشوَّهة عنَّا وعن ديننا, وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا. وتتمثل خطورة ذلك الفهم الخاطئ وهذه المعلومات المكذوبة في أنها تصبح هي المنطلق لتعاملهم معنا, ولن يكون الا تعاملاً قاسياً ماداموا يعيشون في ظلِّ فهم خاطئ عنا وعن ديننا وبلادنا.
ليت العالم الإسلامي يقوم بجملة تصحيح وإصلاح كبيرة لوسائله الإعلامية تخرجها من حفرة اللعب واللهو والرقص والغناء إلى فضاء الوعي الإسلامي والثقافي والسياسي الذي يقوم بدوره في تصحيح فهم الآخرين الخاطئ عنا قبل ان يفوت أوان الوعي.
إشارة
أيها السائل عمن أسرعوا
في الأعادي, سيجيب الواقع |
|