الكتاب: One Matchless Time
A Life of William Faulkner
المؤلف Jay Parini - الناشر Harper Collins
في هذا الكتاب المثير عن سيرة حياة الكاتب وليام فوكنر يشرح المؤلف جاي بارني كيف تمكن فوكنر في قصصه من التقريب ما بين المكان الذي جاء منه وبين العالم الجديد من الأدب الذي أراد أن يصنعه.وفي تلك السيرة يوضح المؤلف كيف قام فوكنر بإضافة حرف (و) في اسمه، فلقبه الحقيقي (فاكنر) وليس فوكنر، ويتحدث فوكنر عن ذلك قائلاً: (عندما بدأت في الكتابة، وبالرغم من أنني كنت هاويًا أبحث عن المتعة فقط، إلا أنه كان هناك ذلك الشعور في أعماقي بالطموح والتميز في عالم القصة، لذلك لم أرد أن أحمل اسم عائلتي في ذلك الطريق).ومن السهل فهم ذلك المبرر، فهذا اللقب لجد فوكنر والذي كان قائدًا عسكريًا سابقًا كان يمكن أن يحمله مشاهير آخرون من العائلة نفسها، أمثال بول بونيان ودافي كروكيت ولكنهم جميعًا لم يحملوا هذا اللقب، وذلك لأن جدهم الأول كان قاتلاً وحشيًا وخلف وراءه سلسلة من الجثث والقتلى، بالرغم من أنه إضافة إلى كونه رجلاً عسكريًا فقد كان أيضًا محاميًا ورجل أعمال، كما كتب قصتين ومسرحية ومجموعة من مسودات الكتب التي لم تكتمل عن الرحلات الأوروبية.
وما بين خضم تلك الخلفية العائلية المرتبطة ما بين بالقتل والثقافة جاء وليام فوكنر، والذي كان شابًا جامحًا متهورًا، ولكنه كان مختلفًا عن جده الأكبر، وبالرغم من أن أمه كانت امرأة حنونا وعطوفا، إلا أنه لم يحمل أيًا من صفاتها. وقد ترك المدرسة الثانوية والتحق بالتدريب في الجيش الملكي في سلاح الطيران في كندا قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى، ولكنه رغم ذلك لم يحصل على أية خبرات عسكرية كافية تمكنه من حبك قصص جريئة عن القتال والحروب.
ثم التحق فوكنر بعد ذلك بجامعة ميسيسيبي عندما عاد إلى منزل عائلته في أكسفورد، ولكنه في الجامعة كان يتصرف ببهاء وافتخار؛ حتى أن زملاءه أطلقوا عليه لقب (كونت بلا كونت) أي كونت بلا لقب.وكما كان يفعل في المدرسة الثانوية ففي الجامعة لم يكن يدرس سوى ما يحب دراسته فقط، ثم مجددًا ترك الدراسة في الجامعة.
وقد كان الشاب فوكنر بمثابة الكابوس لوالديه بحسب كلماته هو، ولكنه بعد ذلك لم يكن كابوسًا ولكنه أصبح حلمًا جميلاً للقراء، وذلك بأن حذا حذو كبار الكتاب، أمثال كيتز وديكنز ومارك توين وويتمان، وقام بدراسة مناهج أدبية أشمل بكثير من تلك التي كانت تدرّس في الجامعة.ولأن العباقرة أيضًا يجب عليهم أن يأكلوا، لجأ فوكنر إلى أعمال صغيرة لفترات قصيرة ليقتات منها، وعمل في وظيفة متلقي الرسائل والبريد في الجامعة، وكان يقوم فيها بقراءة المجلات التي يشترك فيها الآخرون، وخاض في فترات طويلة من الاستغراق والتفكير،
وعلم ما يريده القراء والمؤلفون على حد سواء.وقد نشر أولى قصصه، وكانت الأولى بعنوان (أجر الجند) و(البعوض) مع دار نشر (بوني آند ليفريت)، بالرغم من أن المؤسسة قد رفضت قصته (أعلام ورمال) في خطاب رفض قاس للغاية.
وكان يمكن لأي كاتب آخر أقل إصرارًا من أن يعتزل الكتابة على إثر ذلك الخطاب، ولكن فوكنر بدلاً من ذلك أصر على الكتابة، وألف قصته الشهيرة (الصوت والغضب) Sound and Fury والتي كانت من أكثر القصص تأثيرًا في القرن العشرين، وعندما نشرت تلك القصة كان يعمل مشرف نوبة ليلية في محطة توليد الطاقة بالجامعة.
وربما يعلم الجميع بقية قصة حياة فوكنر، والفضل لذلك ربما يرجع بصورة كبيرة إلى المؤلف جوزيف بلوتنر الذي كتب قصة حياة فوكنر بصورة مفصلة عام 1974، وقد نقل بابريني الكثير منها في كتابه.ومثل جده الأكبر كتب فوكنر كثيرًا وارتحل كثيرًا، وخصص ساعات من يومه للاعتناء بممتلكاته ومصالحه التجارية، ولكن الفرق كان أن فوكنر الابن حصر مشاعره العدائية العنيفة على هيئة كلمات أدبية، والتي يصفها باريني في كتابه بأنها (ممتلكاته الشخصية).
وبمرور الوقت أجبر فوكنر المنطوي العالمَ بأسره على أن يكرمه ويعترف به، وفاز بجائزة نوبل للأدب في عام 1950
وربما لم يضف باريني الكثير من المعلومات في هذه السيرة عن حياة فوكنر، ولكنه أضاف فهمًا جديدًا لكيفية ربط ذلك المؤلف الكبير بين ماضيه العنيف وغير المستقر بذلك المستقبل العتيد والراسخ في مجال الأدب، كما يصف كيف استطاع فوكنر أن يروض وحشيته وخشونة طبعه إلى حالة دائمة من الفن والأدب.
وقد ألف باريني 15 كتابًا آخر، منها 5 قصص، ولكن تلك السيرة الحياتية تبدو أقرب ما تكون إلى قصة عن مؤلف قصصي، ليست قصة من تأليف فوكنر، ولكن قصة من تأليف بلزاك الذي طالما حسده فوكنر على حيويته وسعة رؤيته، ولكن ذلك الحسد سرعان ما انقلب إلى إعجاب، ثم تحول في النهاية إلى
موهبة تخطت موهبة بلزاك ذاته.
|