الكتاب : (المؤامرة) Le Complot
المؤلف : Vladimir Volkoo
الناشر:Du Rocher- France 2004
في عالم اليوم لم يعد هنالك شيء اسمه التغيير لأجل التطور البشري، هنالك شيء اسمه التغيير الاستراتيجي الذي يعني المزيد من النهب ومن اللصوصية(الحضارية) التي أغرقت العالم في هذه الضغينة غير المنتهية.
هذا تحديدا ما نخرج به حين نطلع على كتاب (المؤامرة) للكاتب (فلاديمير فولكو) الصادر مؤخرا في فرنسا.
ولعل أهم نقطة يتناولها الكتاب بفصوله العشرة هي الدور الأمريكي الإسرائيلي المشترك في تحديد خاصية المؤامرة على دول العالم، وبالخصوص الدول التي تدخل في (دائرة المصالح الاستراتيجية) و نعني بها مناطق مهمة كمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الشرقية، وإفريقيا الوسطى على سبيل المثال لا الحصر.لكن ما الذي جرى في العالم كي تتخذ المؤامرة هذا الشكل الدموي والعلني؟ سؤال يطرحه الكاتب على طول 230 صفحة ويحاول الرد عليه من خلال إظهار حالة التباين التي عاشها العالم منذ أكثر من ثلاثين عاما، والمقصود بالتباين هو الوضع المأساوي الذي صنع التناقضات السياسية على مستوى الممارسات الداخلية في العديد من الدول التي كانت موضوعة تحت المجهر مما يعني أن الخطأ كان بمثابة الضوء الأخضر للتدخل عبر إقامة أسلوب القطع بالبتر، أي تشجيع (التمرد) باسم الحق في التعبير، الذي سرعان ما يتحول الى حرب أهلية تعني في النهاية خلق (التوازن المطلوب) لأجل أولا : (تصفيات كاملة) وفق سياسة ديموغرافية تقيم ما يصطلح على تسميته (بالسقف الاقتصادي الداخلي)، والذي يعني أن ديموغرافية العالم الثالث تشكل خطرا على الدول العظمي الى درجة التآمر على التخفيف منها والقضاء عليها بالحروب الكثيرة والمستمرة، يقول المؤلف.ويتناول الكتاب القوى السياسية الراديكالية التي وقفت خلف المتغيرات الجذرية التي حصلت في العالم منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار القطب السوفييتي.كان البحث عن العدو الجديد بمثابة الرهان الذي صاغته تلك القوى الجديدة التي كانت تتخذ من (المحافظة السياسية) رمزا كبيرا لها، بحيث ان ظهور تيار المحافظين الجدد كان هو الواقع نفسه الذي أسس شمولية من نوع آخر ارتبطت آلياً بمفهوم الحرب كوسيلة لأجل التغيير.تغيير ما تراه (مناسبا) لأجل استمرارها وبالتالي وصولها الى مناصب النفوذ في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
ويسأل الكاتب: من هم المحافظون الجدد؟ ويرد قائلا: المحافظون الجدد هم صياغة جديدة لليسار التروتسكي.
إنهم يترجمون على طريقتهم وحدهم المعاني التي ترتبط آلياً بالحياة الفكرية والاجتماعية وبالتالي يترجمون سبل تغيير وفق منطقهم الذي ينتمي بشكل أو بآخر الى الممارسة التطرفية والتي تعني في الأخير راديكالية حقيقية.
إنها اللعبة الملتوية، والقذرة أحيانا التي من خلالها تبدو المفاهيم معكوسة، فما يبدو تغييرا هو في الأخير تكريس لنفس الوضع العفن واستغلاله لأجل مزيد من إخضاع الأطراف الكثيرة الى التنازل ثم..الى مزيد من التنازل، وهو ما نجح فيه المحافظون الجدد سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
نهاية الحرب الباردة، صنعت حروبا كثيرة، اغلبها استراتيجية.حروبا سرية كانت فيها مكاتب الاستخبارات الرقم الأول في اللعبة.كان المطلب الكبير بالنسبة إليهم يكمن في تغيير العالم وفق مصالحهم وفكرتهم التي كانت تضع الدول الفقيرة في خانة (الدول القابلة للاستعباد) تماما كما قال (فرانك لوكرد) في كتابه: العالم بعد مائة عام. والذي سطر في الحقيقة البعد السياسي الفكري للمحافظين الذين كانوا يحتلون مناصبا مهمة في هرم السلطة داخل الولايات المتحدة بالتحديد.
ربما من الغريب أن تتحول النظرة الاستعمارية الى وضع اليد، كما حدث بعد 11 سبتمبر2001 الأمريكيون أنفسهم يعترفون أنهم غير مقتنعين بكل ما قيل لهم، وأن ما حدث للعالم بعد تلك الأحداث كان مؤامرة قذرة أغرقت العديد من الدول في مأزق الحرب من جهة والحصار السياسي المطبق من جهة أخرى.كانت الأمور منذ الثمانينات تسير الى حالة من التفجير، لأن الآلة المخابراتية الإسرائيلية كانت تتحرك نحو بلورة جديدة للعالم، وبالخصوص لمنطقة الشرق مما صنع (أعداء) تصنفهم آلة القتل والهيمنة التي سرعان ما تحولت الى احتلال من نوع آخر بدأ على شكل هيمنة فكرية، ووصلت الى الاحتلال الرسمي.في إسرائيل ليس هنالك شيء اسمه: مسالمة أو مصالحة مع أحد، حتى مع الولايات المتحدة التي من المنظور العملي والسياسي والعسكري، هي الحليف رقم واحد للدولة العبرية، ولكن الواقع يقول ان إسرائيل ترفض أن تلعب دورا ثانويا ، ولهذا السبب سعت منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي الى أن تكون قوة عظمى في المنطقة، بالخصوص حين بدأت ولأول مرة تهدد بنقل الحرب إلى (أعدائها) وهي العبارة التي قالها (شمعون بيرز) في الخمسينيات، وقالها (ديفيد بن غوريون) في الأربعينيات، وقالها (أرييل شارون) في الستينيات.إن مصطلح نقل الحرب الى الأعداء ليس مصطلحا (عفوياً) ولا مجرد تهديد بل سياسة أثبتت التجارب الكثيرة أن إسرائيل طبقته على أكثر من صعيد وفي أكثر من دولة كانت تشكل (خطرا إقليميا) عليها، بما في ذلك دول أوروبا الشرقية التي استطاعت إسرائيل اختراقها (استخباراتيا) عبر شبكة واسعة كانت تنشط على أساس (زعزعة الأمن الداخلي) أو ببساطة (الانقسام الداخلي) والذي سرعان ما وصل الى دول كثيرة من العالم، سواء في أوروبا الشرقية أو في إفريقيا أو آسيا.المؤامرة لم تكن مجرد حركيات سياسية مناوئة للقوميات فقط، بل كانت طريقا مليئا بالشوك، عمدت الدول الاستعمارية على تعبيده للدول الأخرى، لأجل فرض سياسة الأمر الواقع والذي أوصل العالم الى هذا الاحتلال المزدوج، احتلال الأرض والفكر على حد سواء.ولعل طريقة تبرير الحروب التي خاضتها القوى الكبرى هي التي تعكس اليوم بالذات المشروع القديم بنقل الحرب الى (الأعداء)، ولأن العراق كان يشكل خطرا على إسرائيل فقد كان واضحا أن الحرب ستنقل إليه بدل أن ينقلها العراق الى تل أبيب، أو الى واشنطن أو لندن.كما أن الصراع القائم في الشرق الأوسط لم يعد كما السابق، أي أن المنظومة القومية لصياغة الرؤية السياسية للصراع لم تعد كافية كما السابق، وهو بالتحديد ما عمدت إليه القوى العظمى، من خلال إحداث القطيعة التاريخية بين الأجيال، ومن خلال إفلاس الدول وإغراقها في المشاكل والديون وإجبارها على إصلاحات مشروطة، تفتح المجال لمزيد من التدخل في شؤونها الخاصة.تلك هي خيوط العنكبوت التي تلتف حول العالم اليوم والتي صنعت من كل التناقضات قيمة بعينها، على أساس: المال - السلطة - القوة العسكرية والإعلام الخارق الذي استطاع فعلا أن يكون الجيش الرابع. المؤامرة تعني أن الدول التي لن تقبل بشروط القوى العسكرية العظمى هي التي ستكون كبش الفداء، لأجل أن تصبح عبرة لمن يعتبر كما جرى للعراق في آخر المطاف وكما سيجري للسودان ولسورية وإيران.. كما يقول المؤلف.
|