* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد العجمي، على البلهاسي:
حقق سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري استقرارا نسبيا في مصر منذ أواخر شهر ديسمبر من العام الماضي وحتى الآن حيث تراوح سعره ما بين 6.14 و 6.17 جنيهات في ديسمبر 2003 ثم تحرك سعره خلال العام الحالى حتى وصل في البنوك وشركات الصرافة خلال اكتوبر الماضي ما بين 6.23 الى 6.25 جنيهات أي بنسبة تغير 1.4 فقط ولعل هذا الاستقرار في سعر الصرف هو ما دفع بعض المراقبين الى التساؤل حول تأثير ذلك على السوق الموازية (السوداء) التي تسعى الحكومة للقضاء عليها خاصة بعد النجاح الذي حققته سياسة الحكومة في استقرار سعر الصرف حتى إن كثيرا من خبراء الاقتصاد يقولون إن الاتجار في الدولار اصبح فعلا ماضيا في مصر.
ولعل ما أكد هذه المقولة هو فشل المضاربين في رفع سعر الدولار امام الجنيه بالسوق السوداء في اعقاب حدثين هامين شهدتهما مصر في الاونة الاخيرة وكان كلاهما كفيلا بعودة الروح للسوق السوداء للدولار التي تشهد ركودا كبيرا منذ فترة ورفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
فشل المضاربين
الحدث الاول كان الاعلان عن التخفيضات الجمركية الجديدة والتى توقع العديد من المراقبين بعدها العودة الى الدولرة وزيادة الاتجاه نحو الاتجار بالدولار في السوق السوداء وربما كان سبب ذلك مناخ عدم الثقة في الاقتصاد الذي ترسخ خلال الفترة الماضية اضافة الى الثقافة المصرية الاستهلاكية وهو ما جعل تجار السوق السوداء يستغلون ذلك في اشاعة ارتفاع اسعار الدولار بين شرائح واسعة من المجتمع وبالفعل ارتفع السعر الى نحو 630 قرشا لمدة لا تزيد على ثلاثة ايام خاصة مع توقعات بالتوسع في الاستيراد بعد التخفيضات الجمركية الا ان الحكومة نجحت في مواجهة هذه الشائعات حيث أكد رئيس الوزراء احمد نظيف اتجاه الحكومة لتحسين سعر الصرف وتخفيض قيمة الجنيه فيما بدأ الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار المخاوف من العودة للدولرة مشددا على ان البنك المركزي يتعامل مع محاولات البعض العودة الى السوق السوداء وان البنوك مستعدة لتلبية احتياجات المستوردين.
كما اكد المستوردون من جانبهم انهم لا يعتزمون التوسع في الاستيراد خلال الفترة القادمة وانهم مازال امامهم فترة من الوقت لتصريف المخزون لديهم كما انهم لن يتعاقدوا على طلبات كبيرة الحجم بسبب الاعلان عن تخفيضات جمركية جديدة العام المقبل اما الحدث الثاني الذي حاول المضاربون استغلاله لرفع سعر الدولار فكان تفجيرات طابا الاخيرة حيث قاموا في الايام الثلاثة التي اعقبت الحادث بمحاولات عديدة لتحريك سعر الدولار مستغلين بعض التصريحات التي اشارت الى امكانية تأثر السياحة المصرية بحادث طابا وتراجع الدخل السياحي من النقد الأجنبي مما يتعين معه رفع سعر الدولار وبالفعل اجرى المضاربون تعاملات على الدولار بسعر 6.31 جنيهات في الوقت الذي كان سعره لا يزيد على 6.25 جنيهات في السوق السوداء ذاتها في محاولة منهم لاثارة الاضطراب في السوق وتشجيع المواطنين على شراء مبالغ من الدولار ولكن هذه التعاملات لم تستمر في كل مرة سوى ساعات قليلة وباءت بالفشل خاصة في ظل استمرار تدفق الدولار بالبنوك وشركات الصرافة واعلان البنوك استمرار تلبيتها لطلبات المستوردين من الدولار بالإضافة الى عدم تأثر السياحة المصرية بشكل عام بحادث طابا.
نجاح السياسة النقدية
وتقول الدكتورة عنايات سعيد النجار مدير الادارة المركزية لسوق المال ببنك مصر اكستريوران البنك المركزي المصري اعتمد منذ فترة التكتم والغموض حول السياسة النقدية للوصول الى القضاء نهائيا على السوق الموازية للعملة وبدأت هذه السياسة قبل تشكيل الحكومة الجديدة بفترة وبالتحديد منذ تغيير محافظ البنك المركزي وتولي فاروق العقدة المنصب خلفا لمحمود ابو العيون الذي ساهمت التعارضات المكشوفة بينه وبين رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد لاتاحة مساحة واسعة امام المضاربين للعب على خلافات الحكومة والبنك المركزي حول السياسة النقدية للوصول بسعر الدولار الى 7.7 جنيهات وبفارق اكثر من 1.2 جنيه عن السعر المصرفي.
وقد التزم فاروق العقدة المحافظ الجديد الصمت التام حول السياسة النقدية محتفظا بحق البنك المركزي في التزام السرية المطلقة في تكتيكاته حتى لا يستفيد طرف في السوق على حساب الآخر اذا تسربت معلومات عن اجراءات مرتقبة وبلغ هذا التكتم الى حد إلغاء الاجتماعات الشهرية التي كان يعقدها المحافظ مع رؤساء البنوك وأدت سياسة الغموض هذه مع عوامل اخرى الى تراجع الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف المعلن وهبوط سعر الدولار وذلك بعد ان زادت مخاطرة المضاربة في سوق صرف الدولار مع صعوبة التكهن بما سيكون عليه سعر الصرف والفائدة في المستقبل.
ويرى إلهاب الزيات رئيس اتحاد الغرف السياحية ان المضاربين أجروا محاولات عديدة من قبل لرفع سعر الدولار لتعويض الخسائر التي لحقت بهم في اعقاب تغيير محافظ البنك المركزي منذ شهور دون جدوى مؤكدا ان الظروف الحالية لم تساعد المضاربين على ذلك خاصة وان سوق الصرف الاجنبي في مصر يشهد نوعا من الاستقرار منذ فترة طويلة ومشيرا الى ان حالة الركود الحالية في السوق وضعف عمليات الاستيراد قللت من حجم الطلب على الدولار وبالتالى لم يعد هناك سوق سوداء على الدولار نظرا لتوفره بشركات الصرافة وقيام البنوك بفتح الاعتمادات المستندية لعمليات الاستيراد.
واشار الى ان سياسة الحكومة الناجحة في توفير العملات الصعبة وعدم تأثر السياحة المصرية بتفجيرات طابا انعكس على تعاملات شركات الصرافة وعلى سوق الصرف الذي شهد استقرارا واضحا ويتوقع الزيات ألا يشهد سعر الدولار أي تغيير يذكر او مضاربة عليه قبل ديسمبر المقبل نظرا لهدوء الاوضاع والتعاملات خلال شهر رمضان ويؤكد الدكتور نبيل حشاد مدير المركز العربي للدراسات والاستشارات المالية والمصرفية انه لا توجد بالفعل قفزات كبيرة في سعر الدولار تثير القلق منذ بداية العام الحالي وحتى الآن مقارنة بالاعوام السابقة.
وقال ان التغييرات الطفيفة والاختلاف في سعره لا تتعدى 9 قروش وهذا التغيير البسيط في سعره هو ثمن القضاء على السوق الموازية وتوافر الدولار بوفرة في قنواته الشرعية فضلا عن العلاقة ما بين تخفيض الجمارك والارتفاع الذي يصاحبه في سعر العملة واشار حشاد الى ان السياسة النقدية الناجحه التي يتبعها البنك المركزي وتقوم البنوك بتنفيذها حاليا ادت الى احجام المواطنين عن الاحتفاظ بالدولار وتحويله للاستثمار بالجنيه المصري مما اسهم في استقرار سوق الصرف والقضاء على السوق الموازية.
|