صدر عن مكتبة الرشد كتاب (نظرية تغير الظروف في القانون والشريعة الإسلامية وأثرها على تنفيذ الالتزامات) من تأليف د. أحمد عبدالرزاق السعيدان المحامي والمستشار القانوني.
قدّم للكتاب د. جعفر عبدالسلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية ذاكراً بقوله:
قليلة هي المؤلفات التي تعالج المسائل الرئيسية التي تتصل بجوهر النظريات الفقهية والقانونية، لذا فإن الدراسة التي أعدّها السيد الدكتور أحمد عبدالرزاق خليفة السعيدان (نظرية تغيّر الظروف في القانون الدولي والشريعة الإسلامية) تُعد دراسة متميزة، إذ تناولت هذه القضية الشائكة بإيجاز، وقد قدم لي سيادته هذا المؤلف لأكتب تقديما لها، ورحبت بذلك أيّما ترحيب، لأن هذا هو الموضوع نفسه الذي آثرت أن أكتب فيه رسالة الدكتوراه التي قدمتها إلى جامعة القاهرة ونلت بها الدرجة العلمية الكبيرة في عام 1970م.
إن معضلة الدراسة التي كشف عنها هذا المؤلف تتمثل في التوفيق بين قاعدة رئيسية تحكم على التعاقدات، وهي قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وعدة مبادئ وقواعد أخرى تصنع حدوداً لهذه القاعدة وتتطلب عدم تطبيقها في بعض الأحيان إذا ما تغيّرت الظروف التي عقدت فيها. إن هذا التغيّر قد يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام العقدي فنكون بصدد قاعدة معروفة هي قاعدة القوة القاهرة، وقد لا يؤدي التغيير إلى استعماله، وإنما يؤدي إلى صعوبة تنفيذ الإلتزام، وجعل هذا التغيّر مرهقاً على أحد أطراف العقد، فتكون بصدد قاعدة أخرى هي تغيّر الظروف.
وقد استطاع المؤلف أن يميز بين الفرضين حيث عرف القوة القاهرة وبين تغيّر الظروف.
ومن ناحية أخرى فإن تغيّر الظروف ليست قاعدة مقررة في القانون الدولي فحسب، بل هي معروفة في القانون المدني، وفي القانون الإداري، وقد طبقها مجلس الدولة الفرنسي في قضية (غاز بوردو) حيث كاد يتوقف عمل مرفق عام لازم للدولة، هو ذلك الذي يغذي مدينة بوردو بالإنارة بعد الحرب نتيجة ارتفاع أسعار الغاز الذي تولد منه الكهرباء ارتفاعا كبيراً. وقد عرض الأمر على مجلس الدولة الفرنسي الذي وافق على تعديل العقد نتيجة لتغيّر الظروف تعديلا يزيد مقابل ما تحصل عليه الشركة من العقد عما حدد فيه بسبب التغيير الذي تم وحتى يستمر سير المرافق، وأشهد أن المؤلف توصل إلى هذه الحقيقة وعرض للنظرية ليس في القانون الدولي فحسب، وإنما في القانون المدني، وفي القانون الإداري.
وعند إعداد رسالتي عام 1970م كان هدفي أن أرد مقولة شائعة، هي أن إقرار هذه النظرية من شأنه أن يضعف قوة العقد، ويشجع على التحلل من الإلتزامات. وقد بذلت جهداً كبيراً في سبيل وضع الضوابط الكفيلة بمنع ذلك، وتطرقت إلى كل النظريات في الفقه الدولي الداخلي وفي أعمال لجنة القانون الدولي لكي أضع حدوداً واضحة وضوابط لتطبيق النظرية، وأحمد الله أن الدكتور أحمد استطاع بمهارة أن يستخلص هذه الضوابط وأن يشرحها في مؤلفه.
أما ما يتميز به البحث الذي قدمه فهو كثير:
فمن ناحية أشهد له بالأمانة الكاملة في النقل وإذا كان قد اعتمد على رسالتي في كثير من المواضع، إلا إنه لم يغفل الإشارة إلى رسالتي في أي موضوع أخذ منه، مهما تعددت المواضع.
كذلك فقد اهتم اهتماماً كبيراً بالشريعة وعرض الآراء الشرعية في مختلف المذاهب الفقهية للفكرة، ولم يُهمل التعرّض للآراء الحديثة التي صدرت من مجمع الفقه الإسلامي في الموضوع.
ومما امتازت به هذه الدراسة كذلك وضوح الفكرة، وسهولة الأسلوب، وسلامة اللغة والعرض المختصر غير المخل، والرجوع إلى العديد من المراجع وإثباتها جميعاً في مؤلفه مع عمل ثبت كامل بها في آخر الرسالة.
كذلك استفاد سيادته من العمل في وزراة البترول السعودية، وقدم نماذجاً لتطبيق النظرية على عقود واتفاقات الامتيازات البترولية، وعرض لكثير من التطبيقات التي حدثت لها خاصة في مجال الدولي ولم يُهمل المجال الداخلي.
ومن مزايا هذا المؤلف وهو يقدم أساساً للمكتبة السعودية التي لا يوجد فيها من يهتم كثيراً بالفقه الفرنسي، أن الكاتب اهتم اهتماماً كبيراً بهذا الفقه، وقدمه بوضوح في مؤلفه.
والواقع أن الكتابة في هذه الموضوعات الصعبة والمرهقة بشكل عام يحسب للمؤلف، كما ويحسب له أيضاً الاهتمام بالدراسة المقارنة والرجوع إلى المصادر الأصلية لبحثه.
إن هذا المؤلف يضاف إلى مكتبة الفقه القانوني المقارن بالشريعة الإسلامية، وهو إضافة ممتازة نرجو لصاحبها أن يقدم منها للباحثين والعلماء والفقهاء في المجال الفقهي الإسلامي، والقانوني الدولي في نفس الوقت.
الجدير بالذكر أن هذا الكتاب يعد من المراجع القانونية المهمة والتي تغني الأبحاث العلمية الجديدة في المكتبة العربية.
|