(ينبغي لإسرائيل أن تكون مثل ايرلندا)، هكذا يقول وزير المالية في كل محفل اقتصادي, وهو يستند بالطبع إلى المعطيات المثيرة للانطباع التي سجلها الاقتصاد الايرلندي في السنوات الماضية, حيث وصل إلي نمو ثابت وعال للإنتاج وخلق مئات الآلاف من أماكن العمل مع وجود تيار هائل من الاستثمارات الأجنبية ومعدلات بطالة منخفضة للغاية تكاد تكون صفر.
وفي محاولة لفحص الحقائق التي تكمن خلف هذه الشعارات الصوتية توجهنا، رئيس الهستدروت . . السيد(عمير بيرتس) وأنا، لزيارة قصيرة وعاجلة إلى ايرلندا والتقينا مع اللاعبين الرئيسين في الساحة.
جلسنا مع كبار المسؤولين الأيرلنديين بداية من رئيس الوزراء وحتى رؤساء الاتحادات المهنية والقطاع التجاري المزدهر, واعتقدنا أنه يوجد نموذج اقتصادي حر تماماً كما أوهمنا نتانياهو، نقي من لجان العمال ومن التدخل الحكومي في شؤون المجتمع والرفاه, ولكننا وجدنا اقتصاداً سر نجاحه الحقيقي هو في الشراكة التامة بين الحكومة وأصحاب العمل والعمال والمنظمات الاجتماعية, بمعني آخر وجدنا مجالاً ل( شراكة اجتماعية) تموذجية.
قبل عشرين عاماً عندما كان الاقتصاد الايرلندي في أزمة عميقة للغاية، بدأت رويداً رويداً تبني أواصر التعاون والانسجام بين الحكومة من جهة وأصحاب العمل والعمال من جهة أخرى.
بداية اتفق الطرفان على تحديد جدول موحد للأجور يتم تعديله كل ثلاث سنوات , وبعدها تم برولة ميثاق يقع في مئات الصفحات وفيه تفاهمات واتفاقات على السياسة الحكومية في كل مجالات المجتمع والاقتصاد الهامة, وبرعاية هذا الميثاق تشكلت محافل مشتركة على مستويات مختلفة، بما في ذلك الرقابة المشتركة على طريقة التنفيذ لبنود مختلفة في الميزانية, كل هذه مستندة ليس على التشريع بل على الثقة التامة بين الأطراف، ثقة منخرطة في أجهزة حوار وجسر تعمل على نحو دائم في كل أرجاء الدولة وتمنع خلافات العمل والأزمات الاقتصادية المحلية.
المذهل أن هذا لم يكن كل الإنجاز, فالقطاع التطوعي تحول بالاتفاق إلى ضلع رابع في نمو ايرلندا, وقد اعترف به كشريك كامل في بلورة التفاهمات والاتفاقات, وبات مندوبوه يشاركون في كل المداولات الهامة, تصوروا أن مندوبي منظمات المعوقين يشاركون في المداولات مع مدير عام المالية ورئيس قسم الميزانيات دون إضرابات عن الطعام.
والنتيجة في النهاية الاستقرار الكامل في المنظومة الاقتصادية وحماية لحقوق العمال وأجورهم وسياسة ضريبية ناجحة وتشجيع الاستثمارات الاجنبية والمنافسة في الاقتصاد (ليس بالضرورة بواسطة الخصخصة؛ فالايرلنديون، يا سيد نتانياهو، لا يتحمسون تماماً لهذه الفكرة).
باختصار, المرة الوحيدة التي اقتربت فيها إسرائيل من نموذج مشابه كانت في خطة الاستقرار الاقتصادي لحكومة الوحدة الوطنية في العام 1985م.
يمكن تأطير ذلك مرة أخرى، وهذه المرة على المدى البعيد.
* * الهستدروت : اتحاد النقابات العمالية في إسرائيل, ويجمع بين أعضائه كافة النقابات المهنية, يتزعمه عضو الكنيست عامير بيرتس ويعتبر واحداً من أقوى الجهات صاحبة التأثير في القرار الإسرائيلي.
إسحاق هرتسوج
عضو كنيست عن حزب العمل - يديعوت أحرونوت |