عبد الكريم الجهيمان رمز من رموز الثقافة في هذه البلاد. كتب، وألف، وجمع ووثق من مأثور وتراث الوطن، ما سوف يخلده التاريخ وتذكره الأجيال. هذه ليست مجرد شهادة وإنما هي حقيقة لا يمكن أن يتجاوزها إلا مغالط أو جاهل بقيمة هذا الرجل العلمية وتاريخه، ولعل عطاءاته الثقافية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان تثبت بما لا يدع مجالاً للشك ما أقول.
وها هو يثبت، كما أثبت طوال تاريخه، أن مفهوم الوطنية لدى هذا الرمز الشامخ ليست فقط كتابة وتدوين، وإنما هي - أيضاً - ممارسة على الأرض، وكرم وعطاء، وفي كل المجالات والصعد.
وكانت آخر هذه العطاءات لهذا الرمز أن قدم كل ما يملك في هذه الدنيا الفانية من (مال) إلى وزارة التربية والتعليم لبناء (مدرسة) في الخرج. مثل هذه البادرة الكريمة والحضارية من هذا الرجل تحمل في قيمتها أكثر من معنى، فهي - أولاً - أتت من عبد الكريم الجهيمان، وليس من إنسان مغمور وهامشي يبحث عن الأضواء. وثانياً: هي - بكل المقاييس - مثال يجب أن يحتذى في زمن قل فيه الوفاء للوطن، فنحن نسمع عن أثرياء هذه البلاد، وعن تلك الأرقام الفلكية التي وصلت إليها ثرواتهم، وفي المقابل لا نرى لهم أي مساهمة تذكر، ولو حتى رمزية، لرد الجميل إلى الوطن الذي أعطاهم، وساهم في صناعتهم، وجعلهم (شيئاً) مذكوراً. ومن نافلة القول أن قيمة (مدرسة الجهيمان) ليست في كونها مجرد مدرسة كأي مدرسة متوسطة أخرى، وإنما في أبعادها ومدلولاتها وارتباطها بهذا الاسم الكبير، وكونها (تمثل) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى (كل) ثروة هذا الرجل المادية التي جمعها طوال حياته، في صورة من صور (الإيثار) في أرقى وأجمل أشكاله ومعانيه. وهذا بيت القصيد.
وقبل أيام كتب في جريدة الوطن صالح الشيحي ينتقد التغطية الإعلامية لهذا الحدث الفريد والمتميز، ويعتبر أن هذه التغطية مبالغ فيها، وأنها كانت مجرد (بربرة) ليس لها ما يبررها. وفي محاولة لخلط الأوراق، قارن هذه المدرسة مع أكاديمية الأمير سلطان لعلوم الطيران، وهي مقارنة لا يمكن قبولها إطلاقاً.
فكلنا يعرف، صغارنا قبل كبارنا، أن الأمير سلطان قائد من قادة هذه البلاد. وهو - بالذات - له من الأيادي الكريمة ما يتحدث عنها الركبان، ولا ينكرها إلا مغالط، ليس آخرها هذه الأكاديمية التي يتحدث عنها الشيحي. ولعل مدينة الأمير سلطان الطبية على وجه التحديد، وهي إنشاء وتشغيلاً، تبرع خاص من سموه، إلا (صرح) يكاد أن يتكلم، ومعلم يحمل الكثير من الأبعاد، لما يقدمه هذا (الإنسان) وما يزال من مشاريع تنموية وتعليمية وإنسانية لوطنه تتحدث عنها كل أصقاع البلاد. كما أن الأمير سلطان هو الذي مول ورعى وساند الكثير من المشاريع الثقافية، كمشروع (الموسوعة العربية العالمية) على سبيل المثال وغيرها من المشروعات التوثيقية والثقافية والإنسانية، التي ستبقى تتحدث عنه، وعن وفائه، وعن حبه لوطنه ما بقي الدهر. هذه حقيقة لا خلاف عليها.
وما فعله الجهيمان هو - أيضاً - يصب في نفس هذا الاتجاه، ويرسخه، ويتناغم معه، ليصبح وجه المقارنة بين الأكاديمية وبين مدرسة الجهيمان المتوسطة، مقارنة لا يمكن قبولها بحال من الأحوال. لتجعلنا نتساءل : لماذا أقدم الشيحي على هذه المقارنة، رغم أنها لا مكان لها في السياق، ولا في الموضوع، جملة وتفصيلاً!.
وإذا كانت الإشادة بمدرسة عبد الكريم الجهيمان، سواء المعرفية أو التعيلمية، وسواء كانت بين دفتي كتاب أو بحث، أو (بناء) على الأرض، بما تحمله من أبعاد ومؤشرات وإيجاءات، هي في عرف الشيحي لا تعدو أن تكون (بربرة) ليس لها ما يبررها، فإننا فخورون بهذه (البربرة)، وسنكررها، ونتغنى بها، ونصر عليها، تجاه كل رموزنا ومثقفينا، عندما يحاولون أن يضربوا لنا المثل في إيثار هذا الوطن والوفاء له كما فعل عبد الكريم الجهيمان. حتى إن رَغِمَ أنف (ابن السماك) وجاريته اللذين استشهد بهما كاتبنا الكريم!
|