* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أوصى معالي رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل، فمتاع الدنيا قليل والحساب طويل، وان يتهيؤوا لنقلة قبل أن يسير الرحيل، وان يستعدوا بالزاد ليوم المعاد، وان يستغفروا ربهم ويتوبوا إليه، وأن يتحللوا من المظالم، وأن يأخذوا على يد السفيه والظالم، وأن يجدّوا ولا يفرطوا، فحسرة الفوت أشد من سكرة الموت. ومن علامات اعراض الله عن العبد ان يشغله فيما لا يعنيه. وانما هذه الحياة الدنيا متاع وان الآخرة هي دار القرار.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس في المسجد الحرام: اتفقت الشرائع والملل على حفظ حقوق الإنسان وتقرير كرامته. فالخلق سواسية في التكاليف والمسؤوليات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. بنو آدم كلهم أهل للتكريم والاحترام والتفضيل، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}. دين الله الذي جاءت به الرسل عليهم السلام دعا إلى ترابط البشر فيما بينهم وتعاونهم على الخير والبر والعدل والصلاح، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. أما في دين الإسلام فإن السماحة والرحمة تأتي في أصول مبادئه وتعاليمه وفي روح أحكامه وتشريعاته، فرحمة ربنا وسعت كل شيء وهي قريب من المحسنين، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمة الله للعالمين أجمعين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}. تأملوا رحمكم الله كيف جاء الاقتران بين النهي عن الفساد في الأرض وأمل الحصول على رحمة الله عز وجل {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.
وبيّن فضيلته أن تعاليم دين الإسلام تتميز بإعطاء الطابع الإنساني منزلة متميزة في قيم أخلاقية عالية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
وقال فضيلته: كل هذه المبادئ والمثل وأمثالها لتكون الحياة طيبة ولتعمر الأرض ويسود الصلاح والاصلاح، وذلكم هو سبيل التقوى والتكريم، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. وكل هذه المبادئ والمثل ليأمن الناس على أنفسهم من أنفسهم وليتقوا شرور أنفسهم وسيئات أعمالهم وليحذروا نزغات شياطين الإنس والجن وسواسهم شياطين الإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، بنو الإنسان هم خلفاء الأرض ليبنوا ويعمروا ويتنافسوا في الاصلاح فيها، { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وقال فضيلته: ولترسيخ هذه المبادئ وليسود الصلاح والأعمال فقد اشتد النكير على من سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك حرثها ونسلها {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَاَ}، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}. ومن أجل ذلك كذلك فإن من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر سفك الدم الحرام وقصد المعصومين بالتخويف والترويع والإيذاء والقتل ناهيكم باستخدام وسائل التفجير والتخريب، فكل ذلك من أشد أنواع الفساد في الأرض والافساد في الخلق.
وقال معالي رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام: إن من الحكمة والتعقل النظر في إثارة مثل هذه التصرفات ونتائج مثل هذه المسالك ولا سيما على أهل الإسلام وديار الإسلام، لابد من وقف حساب وموقف محاسبة من أجل النظر في المكاسب والخسائر، ماذا جرت هذه التصرفات وماذا جرى لأهل الإسلام؟! لقد تغلغل الأعداء في كثير من ديار المسلمين واستطالوا على المسلمين بألسنتهم وأسلحتهم وإعلامهم وأقلامهم واستنفروا جمعيات ومنظمات وهيئات حتى جعلوا المظلوم ظالما وصاحب الحق باغيا، مستدلين ومستندين إلى مثل هذه التصرفات الرعناء، ومتذرعين بمثل هذه المسالك الهوجاء. لقد أوشكت أن تضمحل قضايا كبرى وتتوارى مشكلات أخرى يراد لها أن تأخذ المسار نفسه. ان مثل هذه الاقدامات الحمقى قدمت الذرائع والمسوغات لمزيد من التدخل والتسلط، ومزيد من الاثارات على الإسلام وأهله ودياره. ألم يدركوا انه لم يستفد من ذلك إلا الحاقدون والموتورون الذين يسرهم ان يختلف أمر الأمة ويختل أمنها ويضرب بعضها بعضا! لقد أصبح المسلمون بعلمائهم ورجالهم وساستهم ودعاتهم بل وشبابهم مادة يلوكها الإعلام والفضاء. وكم من ساخط وحاقد تدخل فيما لا يعنيه بسبب هذه التصرفات. هؤلاء الصغار الاغرار هاجموا بلادهم وقتلوا أهليهم ورجالهم، وخفروا ذمة ولاة أمورهم، وروعوا الآمنين، وفتحوا الأبواب لتمكين المتربصين. ويحهم هل يريدون جر الأمة إلى ويلات تحرق الدين وتزعزع الأمن وتشيع الفوضى وتحبط النفوس وتعطل مشاريع الخير ومسيرة الاصلاح؟! هل يريدون أن يذل الأحرار وتدنس الحرائر ويخرج الناس من ديارهم؟! هل يريدون ان يكثر القتل وتنتهك الحرمات وتتفرق الناس في الولاءات وتعدد في المرجعيات حتى يغبط الأحياء الأموات كما هو واقع مع الأسف في بعض الديار التي عمتها الفوضى وافترسها الاعداء! يريدون إثارة فتن وقودها الناس والأموال والثمرات ونتاجها نقص الدين ونشر الخوف والجوع والفرقة. ألا يعلم هؤلاء الاغرار انه على طول التاريخ لم تنجح حركة تتخذ من العنف مسلكا؟! ألم يعلموا انه لا يمكن ان يؤدي الإرهاب إلى تحقيق هدف أو مكسب ناهيكم إذا لم يكن له هدف واضح أو قضية بينة فضلا عن ان يكون له هدف مشروع أو حق ظاهر! كم من شاب غر أقدم على اقتيال وتفجير وتدمير قتل نفسه ومن حوله دون مسوغ شرعي! عياذا بالله انهم غوالمة صغار يعيشون عزلتين عزلة نفسية شعورية وعزلة عزلية انطواء على الذات وانفصال عن المجتمع وأهل العلم وعزل للمرجعيات المعتبرة والبعد عن وسط أهل العلم وبأهلهم ومن ثم ليوا أعناق النصوص الشرعية وتوظيف دلالاتها غير الدالة في تسوير فكرهم وأعمالهم ليعيشوا في بيئة متعالمة ضيقة خاصة قائمة على التحيز أو قائمة على التحيز والتعصب. ولقد علموا ان كانوا يعلمون انه لا يوجد أحد من أهل العلم ممن يعتد به أجاز مثل هذه الأعمال والتصرفات.
حذر معالي رئيس مجلس الشورى إمام وخطيب المسجد الحرام ان من يتق الله ربه وينصح لدينه وأهله وان يسوغ لمثل هذه الأعمال أو يفرح بها أو يتردد في انكارها. وأكد ان المخاطر كثيرة وان مكر الاعداء كبير وهذا كله يستوجب يقظة الجميع في مواجهة كل فكر ضال أو تصرف عنيف أو سلوك إرهابي. ان هذا الافساد في الأرض يستهدف الجميع وتهدد نتائجه وآثاره الجميع. يجب توعية الناشئة وتذكيرهم ليعظموا أوامر الله وحرماته ويحذروا سخطه ونواهيه، وكما تدرك الأمة عظم ذنب تارك الصلاة يجب أن تدرك عظم جرم هذا الافساد وخطره على الدين والدنيا، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر)، هو الذي قال (لزوال الدنيا أهون عند الله من اراقة دم المسلم). وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)، وهو الذي قال (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)، وهو الذي قال (من رفع علينا السلاح فليس منا).
وأكد أننا بحاجة إلى المواجهة بكلمة الحق الصادقة والقول السديد ينهض به العالم والمعلم والواعظ والخطيب والمفكر والكاتب. ان على العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي والقيم وهم حراص الدين والديار والقيم والمكتسبات عليهم مسؤولية كبرى في توجيه الشباب وتثقيفهم وتوعيتهم وحمايتهم من الانسياق وراء أصحاب الأفكار الشاذة والمنحرفة وأصحاب الاغرار والأهواء. لابد من حس التوظيف في المنابر ووسائل الإعلام والنشر والمناهج والسعي الجاد نحو حفظ الدين والديار. يجب التوجه نحو حفظ الحقوق وبناء القوة والسعي الجاد لحفظ جمع الكلمة والمحافظة على وحدة الصف ومعرفة فقه الخلاف وأدب الاختلاف وحسن الدعوة إلى الله والجدال بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن والحوار الهادف والنقد البناء.
ومع هذا كله فإن الأمة مطمئنة إلى أهلها ورجالها وصغارها وكبارها شبابها وعلمائها ساستها وأهل الرأي فيها، كلهم على منهج وسط فلله الحمد والمنة، تلكم حقيقة راسخة ثابتة لا يمكن تغيرها والخروج عليها تربوا عليها في مناهج التعليم وفقهوها وعيا وتمثلوها مسؤولية وسلوكا، فهم لا يشقون الطاعة ولا يفرقون الجماعة ولا ينازعون الأمر أهله ولا يضخمون الأخطاء ولا يخفون الحسنات ولا يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ولا يفسدون في الأرض ولا يثيرون الفتن ولا يعتدون على مؤمن ولا مستأمن ولا يغدرون بذمة ولا يروعون آمنا. ويتقون الله ما استطاعوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات. هذا عندهم منهج ودين ومسلك وعقيدة، والتقصير البشري وارد بل واقع، والنقد الهادف متاح، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. فالسعيد من أدركته منيته وهو تائب وثابت على شهادة التوحيد، ليس في رقبته شيء من حقوق العباد، ملازم جماعة المسلمين، متقي الفتن، يحذر فتنا لا تصيب الذين ظلموا خاصة. وقال معالي رئيس مجلس الشورى إمام وخطيب المسجد الحرام ان المخاطر كثيرة وان مكر الأعداء كبير وان المستهدف هو الإسلام وأهل الإسلام وبخاصة دار الاسلام الأولى بلاد الحرمين الشريفين، يريدون ضرب دورها الرئيس في محيطها العربي والإسلامي والدولي. غير ان الحق وأهله ودولته تقف في مثل هذه مواقف حاسمة وتتعامل معها بمسؤولية، حماية للدين والدار والناس. ولقد برهنت هذه الأحداث على اليقظة والكفاءة والأداء الرفيع ودقة التعامل مما يسجل انجازات أمنية وقوة إدارية ورؤية بعيدة لكل الظروف الزمانية والمكانية. لقد نجحت كل القطاعات الإداري منها والأمني والسياسي في التعامل مع هذه الأحداث حفاظاً على الدين والدار والمكتسبات في قناعة الجميع بأن أي تصرف من هذه التصرفات الشاذة لا يستهدف سوى الدين ومركز هذه البلاد وأمنها وجماعتها، موقف حازم تتخذه الدولة ضد الإرهاب والفوضى والفتنة بجهد أمني وتوجيه تربوي وخطاب توعوي لمنع هذه الشاذة وبخاصة في أوساط الشباب وأصحاب المعارف القليلة والادراك المحدود.
ومع كل هذه الإنجازات المشكورة والثقة الواثقة فمطلوب مزيد من اليقظة وبخاصة على المستوى الفردي والشعبي والأسري في تنبيه الأبناء وتحذيرهم من هذه المخاطر والانزلاقات في الأفكار الضالة غلوا وجفاء. حمى الله هذه الديار وديار المسلمين من كل سوء وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
|