في عدد الجزيرة ليوم أمس الجمعة لفت نظري موضوعان، الأوَّل في الصفحة الثانية تحت عنوان: (لحماية الطلاب من الأفكار المنحرفة د. الرشيد يعتمد مشروع الفكر وتعزيز السُّلوك)، وفي الصفحة الأخيرة (تدريب (40) ألف مواطن على ثقافة الحوار وسلوكيَّاته). الأول يُعنَى بتشكيل لجنة لتنفيذ مشروع (رعاية الفكر وتعزيز السُّلوك) تحت شعار (فكر سليم لمجتمع آمن) بوزارة التربية والتعليم، والثاني يُعنَى بتنفيذ خطة شاملة بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تَهْدُفُ إلى تدريب المواطنين على ثقافة الحوار وسلوكه وآلياته.
ولأنَّ (المواطن) هدف المشروعين يبدأ من القاعدة (البيت) و(المدرسة)، فإنَّ الأول ستكون قاعدته مؤسَّسات التعليم، فيما يستلم الثاني المواطن الذي شبَّ عن طوقها واعتركته الحياة في مؤسَّسات المجتمع المختلفة بدءاً بالمعلمين، والدُّعاة، وأئمَّة المساجد وكذلك الطلاب.
ما كان من أسباب انبثقت عنها فكرتا هذين المشروعين هو ما طرأ على (سلوك) فئة من النَّاس ضمن شرائح المجتمع كان لهم دورٌ في الأحداث بما فيها من سلوك غير ناضج، وخارج عن أطر التربية السليمة، أو التفكير الصحيح ممَّا استدعى بعد أن استرعى الانتباه إلى ضرورة التَّصرف لكبح مثل هذا السلوك وتعديله والعمل على علاجه فنهضت كلُّ مؤسَّسة مسؤولة تُفكِّرُ ومِنْ ثَمَّ تُدبِّرُ ومِنْ ثَمَّ تُخطِّطُ، ومِنْ ثمَّ تَعملُ على مواجهة هذا الطارئ (شكلاً)، و(مظهراً)، غير الطارئ (واقعاً)، و(حقيقةً).
وتَذكَّرْتُ أنَّ الإنسان لا يعمل لما هو أبعد، إلاَّ حين يُواجهُ بما لم يتوقع كيف تفاجئه اللاَّتوقعات بما لا يطرأ،... كيف كان عليه أن يكون أكثر حيطةً ليس لما حدث، وإنَّما لضرورة أن يُنَشَّأ الفردُ تنشئةً سويَّةً، مدروسةٌ خططُها، مرسومةٌ أطرُها، معمولٌ على تحقيقها بشكل لا يترك ثغراتٍ لانحرافٍ، ولا دواعٍ لمروق...
فما الذي فعلته المؤسَّساتُ التربويَّةُ مع عشرات بل مئات المرات التي تناولت فيها أقلام الكُتَّاب أفكاراً للإصلاح التربويِّ، والتدبُّر في المناهج، بما فيها المضامينُ، وطرقُ التدريسِ، وأساليبُ التربيةِ والتعاملِ، والاهتمامِ بمخرجاتٍ يكونُ في أوَّلِ أولويَّاتِها السلوكُ، والعقيدةُ، وأدبُ الحوارِ، وسلامةُ التفكيرِ، وحسنُ التوجُّهِ، وأدبُ التعاملِ؟...
لقد رزحت ولا تزال مؤسَّساتُ التربيةِ والتعليمِ تحت وطأة فراغ موحش للقدوة، وللمقتدِر، وللكفاءة، في تبديل الكثير من الخبرات السالبة التي تعترض الإنسان في مواقعها وتحت مظلَّتها وضمن غذائها، ولا تزال يكثر فيها (الكلام) ويقلُّ (الفعلُ)، وإن أردتَ أن يفشل أيُّ مشروع فاسنده إلى لجنة!
الموضوعُ يحتاجُ إلى نفض قويٍّ لمضمونِ محتوياتِ ما يُقدمُ للدارسِّين مِنْ خبرات تفتقرُ إلى ما يُؤهِّلهم للحياةِ الراهنة بكلِّ تحدياتها.
ثمةُّ سؤال: هل سيدرَّس السلوك، ويوجَّه الفكر، ويدرَّب اللِّسان نظريَّاً، ثُمَّ مَنْ سيقومُ بهذه المَهمَّة ذات المؤشر العالي في مرتبة أهميَّتها؟ سواءٌ في الوزارة أو في المركز؟ لا شك هناك قدرات متميِّزة ولكن كيف يتمُّ حصرها وجعلها في سدَّة المسؤولية؟.. تلكَ واحدةٌ مِنْ أسبابِ أنْ تكونَ المشاريعُ وقتيةً، أَو ذات آثارٍ عابرة.
|