استبشرت خيراً بالتصريح الذي صرح به معالي مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس الدكتور خالد الخلف، والمنشور في جريدة الاقتصادية العدد 4086 الصادر بتاريخ 6 ذو القعدة 1425هـ، والذي أعطى فيه معلومات عن كود البناء السعودي ومدى أهميته للوطن والمواطن.. وعقبه التصريح الذي تفضل به صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز - وزير الشؤون البلدية والقروية - عن الموضوع ذاته، وما حمله هذا التصريح من أن المقام السامي قد شكل لجنة بتاريخ 3- 9-1425هـ، وأن الكود سوف يكون جاهزاً في ظرف ثلاثة شهور.
وكما ذكر في الحوار وفي التصريح، فإن وجود كود البناء السعودي يشكل أهمية كبيرة للوطن والمواطن. هذا الكود سوف يحدد المتطلبات والأسس التي تحكم عمليات البناء في جميع مراحلها. لقد تأخر صدور هذا الكود كثيراً، وكان الواجب صدوره قبل الطفرة المالية والعقارية التي مرت بها المملكة.. تلك الطفرة التي خسر منها الوطن والمواطن مليارات الريالات في مواد لا داعي لها وكان يمكن أن توفر، وخسر الوطن والمواطن مليارات أخرى في مبانٍ نُفذت بأساليب خاطئة.. ليس هناك مواطن بنى مسكناً دون أن يلاحظ الكميات الكبيرة من الحديد التي تستخدم في التسليح. يكون المنزل من طابق أرضي ودور أول، ومع ذلك يأتي مهندس الإنشاء ويضع كميات كبيرة من الحديد في القواعد والأعمدة والجسور والكمرات والسقوف، ثم توضع على الحديد كميات من الخرسانة نرى أن هذا التسليح وهذه الخرسانات تستخدم في دول أخرى لبناء عمارة من أربعة أو خمسة أدوار.. مواطن آخر ينفق ملايين الريالات في بناء عمارة من أربعة أدوار تصل تكاليفها إلى تكاليف عمارة أخرى في بلد آخر وصممت من قبل مهندس آخر بها من الأدوار ضعف أو ضعفا أدوار العمارة الأولى.. عند مناقشة المهندس عن ذلك يواجهك بأن هذا تخصصه وأنك لا تفهم شيئاً في أمور التصميم، وأن هذه مسؤوليته، ويحتج بنوع التربة ونوعية الخرسانة، وبمدى الالتزام بالمواصفات والمخططات، ومدى القيام بالدك والرش وغيره.. وإذا ما استشهد بالدول الأخرى قال: أنا لستُ مسؤولاً عنهم ولا أقر بما يفعلون.. وإذا ما استشهد المواطن بأن بيوت هذه البلاد كانت من الطين وكانت على ثلاثة أدوار ومع ذلك لم يسقط منها شيء.. ليس لها قواعد ولا أعمدة وإنما أساس من الحجر، والبناء من اللبن الطيني وليس لها جسور ولا تسليح للسقف، ومع ذلك فبعض تلك البيوت ما زال قائماً أمام عوامل التعرية منذ مئات السنين.. أمام ذلك يصر المهندس على حججه ويتناسى ما يتكبده الوطن والمواطن من مبالغ لهذه المواد التي يمكن أن يوفر منها الكثير دون أدنى مخاطرة. والمشكلة أن المواطن لا يأخذ موقع أرضه في الاعتبار عند التصميم. معظم أراضي المملكة صخرية أو صلبة، ومع ذلك يأخذون في الاعتبار عند التصميم أنها رملية أو بها مياه. الأمانات لا تكلف نفسها عناء الوقوف على الموقع ومطابقة المخططات عليه ومساعدة المواطن في تعديل التصاميم، ومدى ضرورة التسلح المقترح، أو مدى نقصه أو زيادته، وإنما تدرس ذلك في المكاتب بمعزل عن الواقع.. الخسارة ليست خسارة المواطن فقط، بل هي خسارة للوطن أيضاً، والواجب أن تساعد الأمانات في وتوفير هذه الخسائر.
في الطرف الآخر نرى مباني تجارية يقيمها المتعاملون تجارياً في سوق العقار.. بعض هؤلاء لا يترددون في التوفير في كل شيء: التوفير في حفر القواعد عمقاً وعرضاً وطولاً، ثم التوفير للقواعد والأعمدة والميدة، التوفير في الكمرات وفي تسليح السقف، التوفير في مكونات خلطة الخرسانة.. يأتي بعد ذلك التوفير في البناء. يستعملون للجدران الخارجية بلكا عاديا مفرغا أو مملوءا ولكنه غير معزول.. ثم توفير في أنواع وكمية الحديد والشبابيك والأبواب والبلاط والتبليط والدهان.. الأدهى من ذلك كله استعمال مواسير رخيصة لتمديد الشبكة الصحية، واستخدام أسلاك رخيصة لتمديد الشبكة الكهربائية.. يأتي في النهاية فيغطي كل تلك العيوب والمآسي بمظاهر جبسية وبدهان جيد لكي يخدع المشتري أو المستأجر. مَنْ يدفع ثمن هذه التصرفات السيئة؟! الوطن والمواطن سواء كان مشترياً أو مستأجراً. الوطن يدفع ثمن ذلك في زيادة كمية الطاقة الكهربائية المستهلكة والمياه المستهلكة والتي قد تتسرب داخل الأرض دون أن يعرف عنها أحد.. المواطن يخسر إن كان مشترياً بدفع أموال تزيد على القيمة الحقيقية للبناء، وفيما يتحمله من قيمة استهلاك التيار الكهربائي والماء شهرياً في معاناته وأسرته من حرارة الصيف وبرودة الشتاء.
ولا أعرف لماذا لا تمنع البلديات مثل هذه المباني خاصة في الأمور الأساسية مثل الجدران الخارجية والسطوح المائية وضرورة عزلها حرارياً ومائياً، ومنع استعمال الأسلاك والأنابيب الرديئة؟.
إنَّ الأملَ معقودٌ في اللجنة المشكلة لدراسة كود البناء السعودي أن تأخذ في الاعتبار ما يلي:
1 - كميات الحديد المستخدمة في المباني ومحاولة التوفير فيها؛ ذلك أن هذا التوفير سيفيد الاقتصاد الوطني والمواطن، وآملُ ألا تجاري اللجنة بعض المهندسين الإنشائيين في ميلهم إلى الزيادة منعاً لاحتمالات لم يتحقق منها طيلة السنوات الماضية شيء. يمكن وضع عدة مقترحات للتسليح حسب التربة.
2 - البناء التجاري وغير المعزول لما فيه من غش وخداع ومضيعة للطاقة وإضاعة الثروات الوطنية من كهرباء وماء.
3 - منع نسخ التصاميم وتداولها من واحد إلى الآخر بغض النظر عن الموقع ونوع التربة ووجود المياه السطحية وما إلى ذلك.
4 - تحديد أنواع الأنابيب الصحية الممكن استخدامها، وكذلك أنواع الأسلاك والأفياش الكهربائية لما في ذلك من حماية للثروة وللأهالي.
5 - عدم المغالاة في المواصفات، حيث إن كل مغالاة يصاحبها زيادة في التكاليف.. هناك مواصفات ضرورية يجب عدم التساهل فيها مثل عزل الجدران الخارجية والسطوح، وهناك مواصفات ليست ضرورية يمكن التساهل فيها، وأرى أن منها كميات وأنواع الحديد، وكميات وأنواع الخرسانة.
6 - التركيز على أن يكون التصميم للأرض ذاتها، وأن يكون هناك مهندس مشرف على المقاول وعلى التنفيذ يتابع الأمور ويعدل المواصفات بعد الاتفاق مع المالك والمقاول حسب الواقع، وبما يحقق السلامة والوفر للمواطن.
7 - منع استخدام صناديق الطرد الكبيرة توفيراً للمياه، وتشجيع استخدام صناديق الطرد ذات الحد الأدنى من المياه، وقليلة العطل في أجزائها الداخلية.
8 - ضرورة الحرص على تقوية خزانات المياه الخرسانية وعزلها عزلاً جيداً منعاً للتسربات وتوفيراً للمياه، أو استخدام خزانات الفيبر جلاص المعزولة والقوية.
9 - التوجيه بإنشاء معهد لتدريب المهندسين والمشرفين، وكذلك عقد دورات لهم من قِبَلِ وزارة الشؤون البلدية والقروية.. تقوم هذه الدورات بمناقشة هموم ومشاكل الوطن والمواطن مع المهندسين المصممين والمشرفين والمراقبين والمقاولين، وإيجاد تفاهم بين هذه الفئات، وإيجاد حلول تخدم الوطن والمواطن. الملاحظ غياب مثل هذه اللقاءات والندوات، مع أهميتها. ويجب أن يسبق تلك الندوات واللقاءات حصر للهموم والمشاكل من قِبَلِ الأمانات والبلديات والمهندسين والمواطنين.
10 - نأمل أن ينبع كود البناء من البيئة المحلية وألا يكون استنساخاً للمتبع في دول ساحلية أو دول معرضة للزلازل والبراكين أو سقوط أمطار وثلوج وما إلى ذلك. طبيعة البلد وما تتعرض له من عوامل جوية أمر في غاية الأهمية، وباعتبار المملكة قارة توجد فيها المناطق الجبلية والساحلية والسبخة والوديان، كما يوجد بها مناطق ممطرة معظم السنة ومناطق نادرة الأمطار، ومناطق معرضة لرياح عاتية وأخرى هادئة حالمة طوال العام.. لذلك كله لابد من أخذ ذلك في الاعتبار.
إنَّ صدور هذا الكود خطوة كبيرة وجيدة تصب في مصلحة الوطن والمواطن. أدعو اللهَ العليَّ القديرَ أن يوفق اللجنة في الوصول إلى كود جيد يعالج السلبيات فيقضي عليها، وينظر في الإيجابيات فيضاعفها.. وما التوفيق إلا من عند الله العليّ القدير.
(*) عضو مجلس الشورى |