** زودني أخي الأستاذ: منصور الخضيري باستطلاع قديم ملون نشرته مجلة (العربي) عن (الرياض) عام 79هـ!
ولقد توقفت كثيراً متأملاً، (المعلومات) اللطيفة والغريبة التي أوردها التحقيق الذي كتبه د. أحمد زكي - رحمه الله - رئيس تحرير مجلة (العربي)، ومناط الاستغراب ليس لعدم صحتها فهي صحيحة.. ولكن الاستغراب جاء لمفارقتها الكبيرة للحاضر، وأما طرافتها فقد جاءت عن بعض ما احتوت عليه وبخاصة في جانب الأرقام.
لقد ظللت أقارن هذه المعلومات والإحصائيات عن (الرياض) قبل أكثر من (45 عاماً)، ثم ظللت أتأمل في الوقت ذاته التبدل الجذري في المعلومات والإحصائيات عن الرياض اليوم سكاناً وتطوراً.
ولأعرض أمامكم بعض هذه المعلومات والإحصائيات عن الرياض قبل (45) عاماً لتستغربوا معي حيناً، وتضحكوا - للطرفة والبساطة فيها - حيناً آخر.. لقد جاء في استطلاع مجلة (العربي) ما يلي:
الرياض في سطور
* عدد سكانها: لا يوجد إحصاء دقيق بهذا الشأن فالسكان بازدياد مستمر نظراً لاتساع العمران، ويقدر عدد السكان بـ500 ألف نسمة وقيل لنا إن هذا العدد كان لا يزيد على 50 ألف نسمة قبل بدء العمران. (الله.. الآن يقاربون خمسة ملايين!!).
* مساحتها: إن اتساع التعمير قد قفز بالمساحة المبنية، من 100 فدان عام 1919 إلى عشرة آلاف فدان عام 1959م.
(هذه مساحة أحد أحياء الرياض الآن!).
* فنادقها: بها فندقان من الدرجة الممتازة هما (اليمامة) و(زهرة الشرق) وأجرة الحجرة في اليوم مع الطعام وحمام خاص تبلغ نحو 60 ريالاً والريال السعودي يساوي روبية تقريباً، والجنيه الإسترليني يساوي 13.4 روبية. (تأملوا في عدد الفنادق (فندقين) وسعر الغرفة (60) ريالا!).
* شوارعها: بلغ ما صرف على شق الشوارع ورصفها 49.002.876 ريالاً في خلال أربع سنوات!!
* مساجدها: بلغ ما صرف على بناء المساجد 4.938.525 ريالاً في أربع سنوات. (والله مبلغ باهظ!!).
* مساكن الموظفين: بلغ ما صرف لإنشاء مساكن الموظفين: 21.839.241 ريالا في أربع سنوات. (ما شاء الله!).
* المرافق العامة: بلغ ما صرف على المرافق العامة 12.695.775 ريالا. (ربما هذا الرقم الآن ميزانية إحدى البلديات الفرعية!).
* الصحافة في الرياض: في الرياض مطبعة حديثة يشرف عليها الأستاذ حمد الجاسر الذي يرأس تحرير مجلة اليمامة.. وقد قرأنا في الرياض الصحف والمجلات السعودية الآتية: البلاد، أم القرى (المجلة الرسمية)، والندوة، والخليج العربي، وأخيراً ظهرت ونحن هناك مجلة القصيم. (رحم الله الشيخ حمد الجاسر).
* منذ خمس سنوات كان التدخين ممنوعاً منعاً باتاً في الرياض.. أما الآن فالتدخين ممنوع في الشوارع فقط! (ليته لا يزال ممنوعاً!!).
* الرياض أهدأ المدن وأبعدها عن الضجيج..السبب: منع إدارة أجهزة الراديو في المحال العامة! وكان الراديو محرماً بالكلية. (ليتها ظلت أهدأ المدن حتى الآن لكن للمدنية ضريبة!).
* من الكلمات المستعملة بكثرة في البلاد كلمة (طال عمرك)، فيقول محدثك: عفوك طال عمرك.. اسمح لي طال عمرك. (معلومة طريفة ولكنها جميلة وهي لا تزال!).
* التوقيت المتبع هناك هو التوقيت العربي أي أن الشمس كانت تغرب بالتوقيت الإفرنجي في الساعة (5)، وهي بالتوقيت العربي الساعة (12)، فإذا أشرقت الشمس في الساعة (7) صباحاً إفرنجياً دلت الساعة العربية على الساعة (12)، وهذه المقابلة بين الساعة العربية والساعة الإفرنجية تختلف كل يوم. (أنا لا أزال أحنّ - مجرد حنين - إلى التوقيت الغروبي فأذان المغرب كان الساعة (12) بين الليل والنهار، وإشراقة الشمس (12) صباحاً لا يتبدلان، أما الآن فأنت في نصف الليل وتقول الساعة الواحدة صباحاً ولكن - مع هذا - لا بد من مسايرة العالم والتحضر).
* تتوقف الحركة تماماً وتقفل المحلات أبوابها في مواعيد الصلاة عند الظهر والعصر والمغرب والعشاء، حين تدعو الجماعة (المطوَّعة) الأهالي إلى التوجه إلى بيوت الله. (ولا يزال الأمر بحمد الله).
***
** أما قبل !
فها هي الرياض بلسان حالها وتطورها تقول: نعم تغيرت!
(ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغير) كما يقول الشاعر كثير عزة عن نفسه!.
ولكن السؤال:
إذا كانت الرياض تغيرت، ولكن إلى الأفضل في كثير من الجوانب الحضارية، فنحن تغيرنا - ولكن مع الأسف - تغيرنا وتنكّرنا، لكثير من القيم.
لقد ازداد اللهاث وراء المال
وقل الإخلاص
وازدادت الجرائم..!!
***
** بقي أن أقول إن (مجلة العربي) كان لها أثر كبير في زيادة مساحة المعرفة لدى كثيرين منا، وقد أسهمت بطروحاتها في تشكيل وعي وثقافة عدد كبير ممن يتسيّدون الآن ساحة الثقافة.
وفي تقديري أنها لا تزال مجلة قوية، وموضوعاتها ثرية، وإن كان البعض يرى غير ذلك، ولكن في حقيقة الأمر هي لم تتغير، ولكن القراء هم الذين تغيروا!!.
لقد كثرت مصادر المعرفة التي تجذبهم، وانصرفوا إلى منابع أخرى ثقافية وترفيهية بل انجرّ بعضهم وبخاصة بعض الشباب إلى منابع معرفية وإعلامية تافهة سطحية!.
ولكن العزاء (للعربي) كما هو العزاء لمثيلاتها ولكل الأشياء الجميلة التي انصرف خلق كثير عنها..
العزاء أن هذه الأشياء والمنابع الجميلة لم تتغير، ولم تفقد وهج جمالها، ولكن الناس هم الذين زهدوا بها وانصرفوا عنها!
ومرة أخرى كما قلت (للرياض).. أقول (للعربي) وأترابها:
(ومن ذا الذي يا عز لا يتغير..؟!).
* للشاعر : خالد الخنين
(هي الأحلامُ تكبرُ مثْل نَهْرٍ
من الآمال يزدادُ انسكابا
فلا تعتبْ على ماض تولَّىَ
فما يُجديكَ أن تأسى عتابا) |
* ف: 014766464 |