بالنسبة إلي، ليس ثمة أجمل من مشاهدة سباق الخيل.. أما ركوبها، فلا!!
لذلك قصة تعود الى ربيع عام 1365 هجرية، في الطائف حيث كنت طالبا بالمدرسة العسكرية آنذاك وتقرر ادخال مادة الفروسية في منهجنا الدراسي.. حدد اليوم الذي سنركب فيه الخيل، على بركة الله، لأول مرة.. كان أبو ليمونة (هذا اسمه) حصانا أرمد معروفا بالشراسة والعنف.
وكنت كلما اقترب يوم الاربعاء- وهو موعدنا مع الخيل في الميدان الواقع جنوبي جبل ابي صفحة - أشعر بجفاف في حلقي وميل لزيارة الدكتور رمزي باشا (متمارضا) .
وبكلمة كنت متشائما، جاء يوم الاربعاء المشهود.. صلينا العصر، ثم انتظمنا في (طابور) الى الميدان، وقفنا خلف الخيل، شعرت وقتها تماما كمن يقف أمام المشنقة، منتظرا أمر الجلاد.. قيل لنا: (إن الحصان يعرف خياله) رسخت هذه الجملة في عقلي الباطني! إن كان رجلاً أطاعه وأذعن، وإن كان (..) .
ويشاء حظي التعس ان يكون ابو ليمونة من نصيبي، أو أنا الذي كنت من نصيبه.. عليه اللعنة.. عرف بفطرته او بغريزته كما يبدو انني لست ذلك الصنف من الرجال.. لعله شم رائحتي.. من يعرف؟ فما كدت اتناول العنان من السايس، الا وتصرف كمن ركبه ألف عفريت وعفريت، هاج وماج وأرغد وأزبد. أخذ الزملاء ينظرون الى بعضهم باشفاق، اجمالا كنت ألمح في أعينهم، الطامة الكبرى التي تنتظرني، قرأت آية الكرسي، تعوذت بالله من الشيطان الرجيم.. اللهم اعطني خير هذا المساء واكفني شره.. كان ترمومتر الثقة عندي آخذا في التناقص بسرعة مذهلة.. امرنا ان يقف كل منا الى اليسار من حصانه مستعدا منتظراً الامر الثاني بالاستدارة يمينا، ثم يلي ذلك الامر الثالث، وهو يستوجب وضع الرجل اليسري في الركاب الأيسر، بحيث يكون العنان في اليد اليسرى.. ثم الركوب ويتطلب ذلك رشاقة وخفة.. اجعل رجلك اليمنى تشكل زاوية قائمة مع اليسرى.. ثم استدر يساراً.. في نفس الوقت، واضعا نفسك برفق على السرج.. رأسك الى أعلى.. صدرك الى امام!
لم أكد استقر فوق صهوة أبي ليمونة.. آه.. ثم آه.. من أبي ليمونة.. الا وانطلق بي بعنف لم أكن اتصوره قبل ان اتمكن من ادخال رجلي اليمنى في الركاب الايمن، وعلى ذلك بقيت الرجل معلقة.. كان منظري مثيراً للضحك.. اما العقال.. اما الغترة، علمهما عند علام الغيوب.. انطلق بي أول ما انطلق شمالا صوب الجبل ولعل ذلك لم يرقه، فشرق، ثم جنب بي في اتجاه الثكنة، وهو يعدو كالريح، فكرت أن ألقي بنفسي من فوقه ولكن الله سلم.. ولو كنت فعلت، لكنت في خبر كان.. أتعرف عزيزي القارئ كيف انتهت مأساتي؟ لقد شاء ابو ليمونة ان يقف بي فجأة عند بئر مهجورة داخل الثكنة، وجدت نفسي ملقى على الأرض ما بيني وبين البئر.. الا بضعة أقدام.
طاهر مختار |