في مثل هذا اليوم من عام 1638 سقطت مدينة بغداد مرة أخرى في يد العثمانيين بعد حصارها لمدة 39 يوماً. ومدينة بغداد من المدن التي ترتبط بتاريخ الخلافة العباسية إن لم يكن تاريخ العالم الإسلامي خلال القرون الخمسة من عام 150هـ- 767م إلى عام 1258م، فكان أبو جعفر المنصور أول من اتخذ بغداد عاصمة له بعدما قضى على منافسيه من العباسيين والعلويين.
وفي عهد الرشيد بلغت بغداد قمة مجدها ومنتهى فخارها، وامتدت الأبنية في الجانبين امتدادا عظيما، حتى صارت بغداد كأنها مدن متلاصقة تبلغ الأربعين. وبعد وفاة الرشيد عام 193هـ -809م بويع الأمين في طوس أولا ثم في بغداد، ومرت بغداد في عصره بأهوال انتهت بقتله عام 198هـ -814م، ثم بويع المأمون على إثر قتل أخيه، ولكنه لم يبرح خراسان وبقيت بغداد تئن تحت كابوس الحكم العسكري على ما بها من أوصاب الحصار وآثار الحجارة والنار. وفي عام 656هـ -1258م نزل هولاكو على بغداد وحاصرها فكانت حروب وكانت خطوب اندلعت في أثنائها نيران فتن داخلية انتهت باستيلاء التتار عليها وبقتل الخليفة المعتصم وأولاده ورجال حاشيته وأهل بطانته، وباستباحة بغداد مدة طويلة، وكانت بغداد حين حاصرها القوم غاصة بأهل الأطراف من الذين أجفلوا أمام الجيش المغولي الذين لم يرحموا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، وبهذا أفلت شمس الخلافة العباسية في بغداد بعد أن أشرقت عليها أكثر من خمسة قرون، وكان أفولها كارثة على الأمم الإسلامية كافة. وفي العهد الجلائري غزا تيمورلنك بغداد أكثر من مرة كان آخرها عام 803هـ - 1400م حيث فتحها عنوة وفتك بأهلها فتكا ذريعا، واستحل جنده المدينة أسبوعا اقترفوا من المنكرات ما يقشعر له جلد الإنسان، ولما توفي تيمورلنك عام 807هـ -1404م عاد السلطان أحمد الجلائري إلى بغداد فملكها عام 808هـ - 1405م. وكانت بين السلطان أحمد وبين السلطان قرة يوسف التركماني في أول الأمر ألفة انقلبت بعد ذلك إلى وحشة انتهت بقتل السلطان أحمد واستيلاء قرة يوسف على ملكه عام 813هـ-1410م، فأرسل السلطان يوسف ابنه للاستيلاء على بغداد فسدت أبوابها في وجهه، وكان يدير أمرها دوندي خاتون بنت السلطان حسين بن أويس الجلائرية، فلما علمت أن لا قبل لها بمحمد شاه احتالت للخروج من بغداد خلسة، ولما علم البغداديون بذلك فتحوا أبواب المدينة للفاتح الجديد عام 814هـ -1411م. وظلت بغداد تحت الحكم التركماني من هذا التاريخ حتى عام 914هـ -1509م. ثم غزا الشاه إسماعيل الصفوي بغداد عام 914هـ -1509م، وبقيت تحت العهد الصفوي حتى انتزعها العثمانيون من يد الصفويين عام 941هـ -1535م، ثم عاد إليها الصفويون عام 1033هـ -1624م، وبقيت بأيديهم إلى عام 1048هـ - 1638م، فاستعادها السلطان مراد الرابع بجيش قاده هو بنفسه.
|