في مثل هذا اليوم من عام 1951 تم توقيع اتفاقية عسكرية بين الحكومة الليبية وفرنسا تسمح للقوات الفرنسية بالبقاء في فزان، وذلك بعد قيام المملكة الليبية بزعامة الملك محمد إدريس السنوسي. ولد محمد إدريس ابن السيد المهدي ابن محمد السنوسي في 12 من مارس 1890 في منطقة الجبل الأخضر ببرقة، ونشأ في كنف أبيه الذي كان قائماً على أمر الدعوة السنوسية في ليبيا، وعلى يديه وصلت إلى ذروة قوتها وانتشارها.
وقد التحق إدريس السنوسي بالكتاب، فأتم حفظ القرآن الكريم بزاوية (الكفرة)، مركز الدعوة السنوسية، ثم واصل تعليمه على يد العلماء السنوسيين، ثم رحل إلى برقة سنة 1902، وتشاء الأقدار أن يتوفى في هذا العام أبوه (السيد المهدي) بعد أن بلغت الدعوة في عهده الذروة والانتشار، ووصل عدد (الزوايا) إلى 146 زاوية موزعة في برقة وطرابلس وفزان والكفرة ومصر والسودان وبلاد العرب، وانتقلت رئاسة الدعوة إلى السيد أحمد الشريف السنوسي، وصار وصيا على ابن عمه إدريس وجعله تحت عنايته ورعايته.
وعندما تعرضت ليبيا للغزو الإيطالي سنة 1911 تحمل السنوسيون عبء الدفاع عن شرف البلاد ورد العدو الغاصب على الرغم من التباين الواضح في العدد والعتاد بين الغزاة الإيطاليين والسنوسيين. ولم تكن الحامية العثمانية المرابطة في ليبيا البالغ عددها نحو 2210 قادرة على مواجهة جيش يبلغ نحو 40 ألف جندي؛ وهو ما جعل مسؤولية الدفاع تقع على عاتق أهالي البلاد.
ومنذ أن احتل الإيطاليون البلاد لم تنقطع أعمالهم الوحشية ضد أهالي البلاد، وتجرد سلوكهم سواء في أثناء عملياتهم العسكرية أو بعدها من كل شعور إنساني، فاقترنت أعمالهم بفظائع مخزية جعلت من احتلالهم صفحات سوداء ليس فقط في تاريخ إيطاليا بل في تاريخ الإنسانية.
ولعل أفظع تلك الجرائم التي ارتكبها الإيطاليون ما كان بعد سقوط مدينة طرابلس حيث ارتكبوا مذبحة وحشية في ناحية المنشية، وقتلوا من الأهالي عدداً يتراوح بين 4 و7 آلاف نسمة، ومثلوا بالكثيرين، وهتكوا أعراض النساء، وأمعنوا في التنكيل فيمن نجا، فنفوا 900 وألقوا أعداداً عظيمة من الرجال والنساء في غياهب السجون، وتذرع الإيطاليون لقيامهم بهذا العمل الوحشي بأن ادعوا زوراً وبهتاناً أن أهالي هذه المنطقة كان يقومون بعمليات اغتيال للجنود الغزاة.
وفي عام 1946 اعترفت إيطاليا باستقلال ليبيا، وبحكم السيد محمد إدريس السنوسي لها، ولم تكن إمارته كاملة السيادة بسبب وجود قوات إنجليزية وفرنسية فوق الأراضي الليبية. ونتيجة لمطالبة الليبيين بضرورة الاحتفاظ بوحدة الأقاليم الثلاثة (برقة- طرابلس- فزان) تحت زعامة الأمير إدريس أرسلت الأمم المتحدة مندوبها إلى ليبيا لاستطلاع الأمر، وأخذ رأي زعماء العشائر فيمن يتولى أمرهم، فاتجهت الآراء إلى قبول الأمير إدريس السنوسي حاكماً على ليبيا.
ظل السنوسي ملكاً على ليبيا حتى قامت ثورة الفاتح في 1 من سبتمبر 1969 بزعامة العقيد معمر القذافي فأطاحت بحكم الملك إدريس السنوسي، الذي انتقل إلى مصر لاجئاً سياسياً، وظل بها مقيماً حتى توفي في 25 من مايو 1983م.
|