عندما يُرزق الإنسان بمولود فإنه يستبشر ويفرح وتتوالى عليه التبريكات من كل حدب وصوب من الأهل والأقارب والأصدقاء والهدايا الكثيرة ثم تنحر العقيقة ابتهاجاً بهذا الحدث السعيد، وشكراً وحمداً لله عز وجل الذي وهبه هذه الهدية الثمينة، والتي سوف تخلف ذكراه كما يقول المثل (من خلف ما مات)، ولكن السؤال هو هل الوالدان سوف يحافظان على هذه الهدية الإلهية الثمينة؟ وهل سيحميانها من المخاطر بدلاً من الإهمال؟ وهل سيعتنيان بها اجتماعياً ونفسياً وصحياً؟ وهل يستطيعان حسن تربية هذا المولود نفسياً؟ هذا ما سوف نتكلم عنه في هذه المقالة (النفس تربوية) المختصرة والتي أرجو من الله عز وجل أن يكون فيها الفائدة للقراء الأعزاء وخصوصاً الوالدين. الكثير من الوالدين يهملون الجانب التربوي النفسي للأولاد والبنات باعتقادهم أن الولد والبنت سوف يتعلمان التربية والدين والأدب والأخلاق وحسن السيرة والسلوك في المدرسة، ويهملون أيضاً الجانب العملي وهو عدم تعليم أبنائهم وبناتهم تجنب المخاطر الاجتماعية والنفسية والصحية معتقدين أن الأبناء سوف يتعلمونها على الطبيعة.. وهذا طبعاً اعتقاد خاطئ ومفهوم مغلوط, فإنني أرى أن هذه النوعيات من الوالدين يجهلون معنى التربية النفسية والمخاطر التي يتعرض لها أبناؤنا (الاجتماعية، النفسية، والصحية) ويجهلون أن لكل المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان منذ الطفولة حتى الشيخوخة، سيكولوجية وحاجات نفسية ورغبات مختلفة ومتعددة، لذا سوف ألقي الضوء على موضوع التربية النفسية لإخواني وأخواتي (الوالدين) الذين يتخلون عن مسؤولية التربية ويضعونها على عاتق المدرسة والمجتمع وسوف نناقش المراحل العمرية للطفولة والمراهقة وتصنيفها عمرياً حسب علم النفس، لأن هذه المراحل تختلف في حاجاتها النفسية والرغبات والأهداف وهذا هو لب الموضوع وهي كما يلي:
أ - مرحلة الرضاعة الحاضنة (من السنة الأولى وحتى سن 3 سنوات).
ب - مرحلة الطفولة الأولى (المبكرة) (من سن 3 سنوات حتى سن 6 سنوات).
ج - مرحلة الطفولة الثانية (المتأخرة) (من سن 6 سنوات حتى سن 12 سنة).
د - مرحلة المراهقة (من سن 12 سنة حتى سن 18 سنة).
هذه المراحل العمرية الأربع يجب معرفتها والتعامل معها مرحلة مرحلة وذلك من أجل تربية نفسية أفضل لأولادنا وبناتنا.
في المرحلة الأولى من العمر (مرحلة الرضاعة الحاضنة) حاجات الطفل النفسية تكون في الرعاية والعناية به، والعطاء الكثير من العاطفة والحنان.. هذه هي حاجات الطفل النفسية في هذه المرحلة فقط.
أما المرحلة الثانية (مرحلة الطفولة الأولى) تكون حاجات الطفل النفسية هي شعوره بالأمان والطمأنينة خوفاً من الوحدة والهجر لذا نراه دائماً متعلقاً بأمه بالذات يحتمي بها ولا يفارقها ويحبها حباً جماً وفي بعض الحالات يدافع عنها خوفاً من أن تهجره وتتركه لوحده لأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه وكذلك نفس الأسباب بالنسبة لأبيه.. فدائماً نرى الطفل يحرص على ملازمة أبيه عندما يتنقَّل من مكان إلى آخر في المنزل، أو يلحق بوالده عندما يهم الوالد بالخروج من المنزل، والسبب هو حاجة الطفل بالأمان وعدم الوحدة والهجر.
أما المرحلة الثالثة (مرحلة الطفولة الثانية) يكون الطفل فيها بلغ 6 سنوات وهذه المرحلة تُسمى المرحلة الدراسية الأولى وفيها يكون الطفل عرف والديه وإخوته وأقاربه وذويه والأصدقاء، ولكنه لا يزال بحاجة إلى الحماية والرعاية والدفاع عنه (لأنه لا يستطيع فعل ذلك) ومن حاجاته النفسية أيضاً تحقيق رغباته ومتطلباته فلا يوجد أحد غير الوالدين من يلبي هذه الحاجات النفسية والمعنوية والمادية.. لهذه الأسباب وغيرها نجد ونرى أن الطفل دائماً وأبداً متعلق بوالديه وبالذات الأم لأنه يرى فيها الحماية والأمان والطمأنينة.
أما المرحلة الرابعة (مرحلة المراهقة) فهي أصعب مرحلة يمر بها الإنسان من مراحل حياته العمرية لأنها مرحلة انتقالية من الطفولة الى المراهقة حيث التغيُّر الفسيولوجي، والفكري والسلوكي.. لأن الإنسان في هذه المرحلة يكون غير مستقر، وغير متزن وأفكاره متقلّبة وغير مركّزة ومتطرفة أحياناً وسلوكياته غالباً ما تكون عدوانية، وفي حالة كر وفر وحاجاته النفسية ومتطلباته غالباً ما تكون صعبة ورغباته وأهدافه ليست سهلة التحقيق، لذا يجب على الوالدين التحلي بالصبر وضبط النفس واستعمال أسلوب العقلانية والحكمة في التعامل مع ابنهم أو بنتهم المراهقين، لأن هذه المرحلة سوف تزول، فكلنا مررنا بهذه المرحلة ونعرف محاسنها ومساوئها.. فهذه المرحلة ليست سوية وغنية عن التعريف، لذا أنصح الوالدين بالمرونة والتسامح واستخدام أسلوب المحاكاة والتوجيه والنصح والإرشاد والتوعية بدلاً من أسلوب القسوة والعنف والاضطهاد وتجنب العقاب النفس والعضوي وإلا سوف ينقلب السحر على الساحر، فيجب علينا الحرص على تنشئة أبنائنا نشأة صحية ونفسية جيدة وبناء شخصية متزنة ومستقرة لأنهم فلذات أكبادنا، وأمانة في أعناقنا أمام الله عز وجل، ولأنهم استثمار وادخار لنا في حياتنا وخِلفة صالحة بعد مماتنا.
أما من ناحية التربية النفسية العلمية، فعلماء النفس قالوا بعد دراسات مستفيضة وتجارب عديدة إن الإنسان يتأثر في حياته بعاملين هما كما يلي:
1 - الوراثة.
2 - المحيط الاجتماعي.
من الناحية الوراثية يقول علماء الوراثة إن الطفل يولد إما ذكياً، أو متوسط الذكاء، أو غبياً، أو متخلفاً عقلياً، أو مجنوناً، وذلك بفعل انتقال المورثات والجينات الموروثة من الوالدين والأجداد إلى الأبناء لذا يجب على الوالدين التنبه إلى هذه الفروق العقلية والتعامل معها حسب القدرات العقلية لكل ابن أو بنت. أما من ناحية تأثير المحيط الاجتماعي فإن الطفل يتأثر بالمحيط الأسري والاجتماعي فيتطبَّع بطبعه فكرياً وسلوكياً لذا فإن كان الطفل سوياً أو معاقاً فإن ذلك بفعل مستوى المحيط الأسري والاجتماعي الجيد وحسن التربية أما إذا كان العكس أي أن الطفل غير سوي فإنه أيضاً بفعل المحيط الأسري والاجتماعي السيئ وسوء التربية وأصدقاء السوء.. ويقول علماء النفس إن الأطفال ينظرون إلى والديهما على أنهما (المثل الأعلى) فإذا ما اكتشف الأبناء علة شرعية وسوء سلوك من قِبل الوالدين أو احدهما فيشعر الطفل بأنه في حل من التقدير والاحترام لوالديه فيجب على الوالدين التنبه الى هذا الأمر او عدم المبالاة بشعور الأبناء وإحساسهم فنحن نعرف أن بعض الآباء والأمهات يكذبون على أولادهم.. على سبيل المثال يأمرون أبناءهم بعدم الكذب وهم يكذبون وينهون أبناءهم عن التدخين، وهم يدخنون.. ويأمرون أولادهم بعدم الغش وهم يغشون ويأمرون أبناءهم بالصلاة وهم لا يصلون... إلخ.
إن في ذلك خطأ في التربية لأن الطفل سوف يتأثر بتلك المفاهيم ويتبناها في حياته لذا ننصح بحسن النوايا والمصداقية في التعامل مع الأبناء وتنشئة الأطفال نشأة صالحة سوية خالية من الأمراض والعقد النفسية.
أخيراً يقول علماء النفس إن الطفل يولد بصفتين بحكم الوراثة.. إما أن يكون (hyper active) أي حركياً ومزعجاً أو يكون (dihyper active) أي هادئاً وساكناً.. فيجب على الوالدين عندما يكتشفان أن طفلهما (حركي ومزعج) فإن هذا بفعل العامل الوراثي وخارج عن إرادة العقاب العضوي كالضرب أو النفسي كالإهانة والشتيمة.. حتى لا ينقلب السحر على الساحر فالذي يجب فعله هو عرض الطفل (الحركي) على طبيب نفسي ليصف له علاجاً مهدئاً، وبالمناسبة حول هذا الموضوع يُذكر أن طفلاً حركياً ومزعجاً كان يوماً ما أزعج زملاءه في الفصل الدراسي، فاستدعاه المدرس وعاتبه، وحاول عقابه فما كان من الطفل إلا أن قال للمدرس أنا آسف يا استاذ اليوم نسيت أخذ حبة المهدئ.. فأرجو أن تعذرني.
في الختام ان أولادنا فلذات أكبادنا تمشي على الأرض، وهم هبة الله عز وجل لنا، أمانة في أعناقنا أمام الله، وهم استثمار وادخار لنا في حياتنا وخلفة صالحة وذكرى لنا بعد مماتنا لذا يجب المحافظة عليهم وتربيتهم تربية نفسية سليمة خالية من الأمراض النفسية وعقدها.
حمد بن عبد الله القبلان
استشاري صحة نفسية بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض
|