فأحببت أن أشاركك فيه، وآخذ قوله مأخذ الجد، ومن ثم أجعله كمقياس لاختيار الصديق الذي قل في هذا الزمان، ولعلنا نستفيد جميعا من هذا القياس، فكما قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: لا تؤاخ الفاجر فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أنك مثله، ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين وعار، إن القرين يعرف بأقرانه، وقد قيل: قل لي من تجالس أقل لك من أنت، فالصحبة إما أن تكون صالحة، وهذه لا غبار عليها، وإما أن تكون طالحة تحمل على النفس حربا شعواء، وتهدد دنيا الأمن والاستقرار النفسي، وربما امتد هذا إلى الاستقرار الاجتماعي والأممي، فما مرت به هذه البلاد ليس بهين، ولربما نشأت بعض خلايا هذه الجماعة من مبدأ الصداقة وخاصة صداقة الصدفة، فكل علماء الدين وعلماء العلوم الاجتماعية من علماء النفس والاجتماع والإجرام والتربية والتعليم يحذرون من صداقة الصدفة التي قد تنشأ بين أطراف لا تعرف بعضها البعض، فكم من شخص وقع في حبائل المخدرات، وشراك الجماعات المرفوضة، وانساق وراء أهداف لا يعرف لها معنى ولا يدرك لها مغزى، فأصبحت هذه الصداقة تجر عليه الويلات، فقاده ذلك إلى نكران المجتمع ومبادئه الذي عاش وترعرع فيه، وأصبح غريباً في أسرته ومجتمعه، لا يضمه إلا حبائل الشيطان وأعوانه من الإنس، ألم تقرأ قول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن مقتدي
وصاحب أولي التقوى تنل من تقاهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
وشبيه الشيء منجذب إليه، ووحدة الإنسان خير من جليس السوء، وجليس الصدق خير من جلوس المرء وحده، تأكد من اختيار الصديق في الحل والترحال، وكن كالضرير الذي يقدر موضع قدمه قبل وضعها مخافة العقبة السيئة.
فسلوك المرء السوي الذي لا ينطوي على مشوبة أو شبهة هو المقياس الحقيقي لاختيار الصديق فهل غاب عنك قول أبي الطيب:
وما الحسن في وجه الفتى شرف له
إذا لم يكن في فعله والخلائق
وإذا رأيت المرء يتبع العثرات والزلات ويكثر العتاب والقيل والقال، ولم يكن كما قال كثير:
ومن لا يغمض عينيه عن صديقه
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتبع جاهداً كل عثرة
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
ولا صاحب الظن الذي يقوده ظنه إلى المهالك، ويسلك به دروبا لا تحمد عقباها فان بعض الظن إثم.. يقول ضابي البرجي:
وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة
ويخطئ بالحدس الفتى ويصيب
ولا الجبان الجهول من يضرب القريب، ولا الخوان، فصديق سلك مسالك المهالك.. وامتطى حصان الهوى، فقاده هواه إلى خيانة أسرته ومجتمعه بسلوكه المشين فكن كما قال الأعور الشني:
لا آمنن امرأ خان امرأ أبداً
واحذر من الناس ذا وجهين خوانا
ولا تنسق وراء من يزين لك الكذب فيجعله في قالب من صدق وهو مجاف للحقيقة كالناعقين في بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في الخارج، فالكذوب لا يستحيي، ويقول ما يشاء، فقد تعوذ الشعراء من مثل هؤلاء، ومن سلك مسلكهم قديماً وحديثاً:
آه من الكذاب يخلف قوله
ما حيلتي في المفتري الكذاب
والله إنه ليكذب إلا من مهانته، أو فعله السوء، أو من قلة الأدب، فهو يقول ما يشاء ولله در القائل:
إياك من كذب الكذوب وإفكه
فلربما مزج اليقين بشكه
ولربما كذب امرؤ بكلامه
وبصمته وبكائه وبضحكه
وقال بعضهم:
لبعض جيفة كلب خير من رائحة
من كذبة المرء في جد وفي لعب
ويقول الآخر:
نعم نعم إنما النمام ذو ضرر
لكنما الكاذب الجاني أشد ضرر
أخو النميمة إن يسمع ينمو ومن
يكذب يقل ما يشاء قولاً بغير أثر
لذاك لي حيلة في من ينم وما
لي حيلة في كذوب ملء فيه شرر
أخي هل فكرت معي فيما سبق لنأخذ وقتا قصيراً ونفكر في أصدقائنا، ومن حولنا هل لديهم هذه الصفات السيئة أو جزء منها؟ إذن لماذا لا نكون كما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: المؤمن كيس فطن أو كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بخب ولا الخب يخدعني، لنتخلص من أصدقاء السوء ونبدأ باختيار صديق ينصرنا إذا كنا مظلومين، أو إذا كنا ظالمين بتبيان الحق لنا، هذا والله يرزقنا صداقة الصالح من خلقه الذي يعيننا على الحق ويصدنا عن الباطل.