Friday 24th December,200411775العددالجمعة 12 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الرأي الآخر الرأي الآخر
موقف الشعراء من النقد
عبدالله الربيعان

كثير من كُتَّابنا وأبنائنا الأفاضل لا يزالون يضيقون بالنقد ويزورّون عنه وينظرون إلى الناقد على أنه إنسان غير مرغوب فيه ولا مرحب به، ويعدون النقد تطفلاً على النص يريد صاحبه أن يجعل منه سلماً لمجده وشهرته، والناقد عندهم إنسان حسود أو أديب فاشل أو من الدرجة الثانية على أقل الأحوال، عجز أن يقدم عملاً إبداعياً فتحول إلى أعمال الآخرين يبرز عيوبها ويكشف عن سقطاتها.
هذه حالة النقد عندنا وهذه نظرتنا له، إما أن تدق الطبول وتشعل البخور وإلا فأنت صاحب نوايا سيئة؟ وأذكر أنني قبل مدة كتبت مقالاً في إحدى الصحف المحلية، ناقشت فيه كاتباً فاضلاً في بعض أخطاء وقع فيها حسب وجهة نظري، فكانت ردة فعله عنيفة، وبدلاً من أن يرد على ما ذكرته ويبين وجه الصواب الذي يراه، أخذ يتحدث عن الذين يتطاولون على مَنْ هم أكثر منهم علماً وثقافة!!
فيا كُتَّابنا الأفاضل.. مهلاً وتواضعاً قليلاً، فالنقد ضرورة، والنقد ليس فوقه أحد، والنقد ليس غايته دوما البحث عن العيوب والأخطاء، وإنما هو وسيلة لترقية العمل وتصحيح مساره وتحسين مستواه.
أين تلك الأيام التي كان يصدر فيها الكتاب فتنشغل به الصحف والمجلات أياماً وأسابيع ما بين مؤيد ومخالف ومعارض ومدافع، هذا يعترض على الكاتب، وذاك يقف معه، وآخر يوافقه في جانب دون جانب، ويشتد الخصام بين الجميع ويُثرى الموضوع من جميع جوانبه، وينتفع القراء بكل هذا ويتابعونه في متعة ولذة إلى أن تهدأ العاصفة وتبدأ معركة جديدة. واليوم يصدر الكتاب الجاد في العلم أو الأدب فلا يجد إلا الصمت الرهيب أو التهاني الباردة.. اللهم إلا إذا استثنينا كتب التعصب والظلام والإثارة والفتن، فهذه تجد من يهتم بها ويروج لها!!
إنَّ النقد النزيه الصادر ممن يملك أدواته يعمق فهمنا للنص ويزيدنا معرفة به وبقيمته وأسراره، وأنا عندما أقرأ نصاً شعرياً مثلا ثم أقرأ فصلاً نقدياً أو دراسة جادة حوله يزداد فهمي له وأتنبه إلى ما لم أكن قد تنبهت له من قبل.
إن الناقد الكبير لا يقل أهمية وقيمة عن الأديب الكبير، وهناك أسماء كبيرة ولامعة تخصصت في هذا المجال، وكان لها تأثيرها القوي في توجيه حياتنا الأدبية وجهتها الحديثة، ومحاولة الخروج بها إلى المستوى العالمي.
ولعلي قبل ان أغادر المقال أذكر بمثال واحد يدل على فضل النقد ودوره الفعّال في تحفيز المواهب الأدبية وتحسين أدائها، فالشاعر الكبير أحمد شوقي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس كما يقال ولُقّب بأمير الشعراء، هذا الشاعر العملاق لم يسلم من نقد كثير وُجّه له، وكان من جملة ما قيل عنه انه شاعر مناسبات وشاعر تقليدي لا يحسن إلا احتذاء دروب الأقدمين وتقليدهم والتمسك باهتماماتهم البالية كالمديح والرثاء والوصف والهجاء، وهي أشياء لم تعد تهمنا في زماننا، ولم تعد تفي بحاجات العصر الحديث ومتطلباته وتطلعاته وأحلام مستقبله.. وبالرغم من ضيق شوقي بهذا النقد إلا أنه لم يغفله ويعرض عنه، بل استفاد منه ووظفه في توسيع نظرته لدور الشعر والأدب في الحياة، فأخذت نفسه تتفتح كالأزهار على أغراض جديدة لم يكن يعني بها، فكتب القصيدة التمثيلية والقصيدة القصصية والزجل الغنائي، وكتب أيضاً عدة مسرحيات، وأخذ يهتم بقضايا الناس ومشاكل المجتمع بعد ان كان معروفاً بأنه شاعر القصر فحسب. وفي اعتقادي ان النقد قد صنع من شوقي شيئا آخر، وأنه لولا النقد لبقي شوقي القديم على حاله الأول دون تقدم.
النقد ضرورة لا يجوز إهمالها أو تهميشها أو الخوف منها أو التضييق عليها، ليس في الأدب فحسب، بل في الأدب وفي الذوق وفي العلم وفي الحياة كلها بشكل عام.. لكن بشرط مراعاة الأصول والقواعد والآداب التي تنضبط بها الأمور؛ حتى لا تتحول إلى مهاترات ومهازل وتصفيات حساب شخصية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved