بدت دعوة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لعقد مؤتمر بشأن الشرق الأوسط وكأنَّ المشكلة سببها الفلسطينيون، فهو يتحدث في معرض ترويجه للفكرة عن مؤتمر من شأنه مساعدة الفلسطينيين وتهيئتهم لمرحلة السلام من خلال قيام مؤسسات ديموقراطية فلسطينية، وهو في ذات الوقت يساير موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أفصح عن معارضته حضور إسرائيل للمؤتمر، وعلى الرغم مما بدا وكأنَّ شارون يفاجئ بلير بهذا الاعتراض فإن بلير ابتلع المفاجأة، إن كان ثمة مفاجأة في الأمر، والأرجح أن التصور العام لبلير مهيأ لهكذا طرح من قبل إسرائيل.. فإسرائيل تكره المؤتمرات الدولية للسلام لأنها تتقاطع مع طموحاتها الاستعمارية التوسعية، حيث إن أي تجمع دولي يستعين فوراً بما هو موجود من قرارات دولية للتسوية، وهذه كلها لا تتواءم مع التصورات الإسرائيلية، لأنها تحرمها من أراضٍ لا تتصور إسرائيل أنها ستتخلى عنها.
كما أن مثل ذلك التجمع الدولي سيبت في موضوع القدس المحتلة باعتبار أنها مسألة غير منتهية، إلا أنها في نظر إسرائيل مسألة محسومة بزعم أنها عاصمة إسرائيل، وفي ذات الوقت فإنه ليس في المنظور الإسرائيلي أن يعود أكثر من خمسة ملايين لاجئ إلى حيث كانوا داخل فلسطين المحتلة عام 1948م.. لهذا فإن بلير يقدر كل ذلك، وهو يسعى لتهيئة الفلسطينيين لقبول كل هذه المطامع الإسرائيلية بمبادرة منه لخدمة المصالح الإسرائيلية والأمريكية على السواء، خصوصاً أن شارون سبق له القول إن الرئيس الأمريكي يؤيد طرحه لما يسميه سلاماً، بما في ذلك عزم شارون الاحتفاظ بمساحات شاسعة من الضفة الغربية بعد انسحابه من غزة..
إذن فالموضوع الأساس للمؤتمر الذي يروج له بلير هو تهيئة الفلسطينيين على ابتلاع حزمة الأطماع الإسرائيلية من خلال ما يقول رئيس الوزراء البريطاني إنه عملية تحويل للبنيات الأساسية للحكم الفلسطيني إلى كيانات ديموقراطية، وهي ذات الديموقراطية التي جعلت الإسرائيليين والأمريكيين يحجمون عن التعامل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على الرغم من أن الرجل احتل منصبه من خلال انتخابات ديموقراطية.. فالديموقراطية التي يتطلع إليها البريطانيون والأمريكيون وقبلهم الإسرائيليون هي تلك التي تقبل بطروحات السلام حسب تصورات هذا الثلاثي وهي تصورات يتم اختزالها، تحديداً، وفق الرؤية الإسرائيلية التي تنسف حتى خارطة الطريق التي أعدتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة.
|