Friday 24th December,200411775العددالجمعة 12 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

الشيخ الدكتور فالح الصغير في حوار لـ(الجزيرة) :( 2 - 2) الشيخ الدكتور فالح الصغير في حوار لـ(الجزيرة) :( 2 - 2)
أحذِّر من سوء عاقبة مَنْ يقع في أعراض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

* حوار - عبد الله بن ظاهر الأسمري *
نستكمل في حوارنا ما بدأناه في الجزء الأول من حوار شيق ثري بالمعلومات التي لا غنى عنها لعامة المسلمين وخاصتهم ، وذلك مع فضيلة الشيخ الدكتور فالح بن محمد الصغير الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ونترك قارئنا الكريم ليتابع إجابات فضيلته فإلى الحوار.
أعراض الآمرين
* ما كلمتك لمن يقعون في أعراض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ؟
- أقول : لا شك أن الوقوع في الأعراض عموما ليس من خصال المسلم ، ويشتد الأمر إذا كان هذا الوقوع فيمن يعمل لإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن يقوم بمهمة خدمة الناس ، وليتذكر هؤلاء حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول : (ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا) سنن ابن ماجه .. وأحذر من سوء عاقبة من يقع في أعراض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ثم إن الذي أطلق للسان العنان في عرض هؤلاء الذين كلفهم ولي الأمر بهذه المهمة الجليلة ، وقاموا بواجب هذا الغرض الكفائي ، ألا يتفكر قليلا ليسأل نفسه ، من هؤلاء ؟ وما مهمتهم ؟ ولماذا يقومون بهذا الأمر ؟ كم قاموا به من الفضائل ؟ كم دفعوا من الرذائل ؟ ما حال المجتمعات التي خلت من الأمر والنهي ؟ إلى أين هي سارت ؟ ثم هل المجتمع كله على درجة عالية من الخلق القويم والاستقامة على نهج الله ؟ ولا يظن ظان أن كل واحد من الآمرين والناهين معصوم لا يجوز عليه الخطأ ؟ لا شك أنهم بشر يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم ، ولكن سددوا وقاربوا ، ثم أين المؤسسة والجهاز المعصومان من الأخطاء ؟ هل يجوز الوقوع في أعراضهم وتكبير أخطائهم حتى نصل إلى المطالبة بإلغائه ؟ أظن هذا لا يقول به عاقل. لنعد إلى شخصيتنا المستقلة .. ونفاخر بما كرمنا الله به ، ونطور أعمالنا وأجهزتنا ، وإذا أخطأ أحدنا في أي موقع كان يحاسب بقدر خطئه ، ولنقدر لأهل الفضل فضلهم ، ونشجع مسارهم ، و نشد على عضدهم ، فالمجتمع كله يجب أن يكون يدا واحدة متعاونا على الخير والتقوى ، نتجنب كل ما يؤخرنا ويخلخل صفنا ، ويوغر صدور بعضنا على بعض.
لحوم العلماء
* هناك ضوابط للنقد والرد على العلماء ، فهل لفضيلتكم توضيحها وبيانها ؟
- النقد ملكة يمنحها الله سبحانه وتعالى لبعض عباده ، وقد يسخرها هذا العبد في مجال خير ، فتكون عاملا في البناء والرقي في المجال المنقود ، وقد تكون غير ذلك إذا انحرف فيها القصد .. وأهل العلم الذين وفقهم الله تعالى لحمل العلم ونشره بين الناس ، قد كرمهم الله وميزهم وأعلى شأنهم على غيرهم ولكن أيضا هم بشر يجوز عليهم ما يجوز على البشر من النقص البشري ، ومن حكمة الله تعالى أن جعل ما عند فلان يختلف عما عند الآخر ، وفي مواطن الاجتهاد يسوغ الخلاف بالدليل الشرعي من القرآن الكريم والسنة المطهرة بآدابه المرعية ، ومنها :
1- أن يكون النقد على عالم من مثله ، فلا يجوز أن ينقد من لا يحسن النقد ، ومن مجالات عدم الإحسان : عدم العلم ، فكيف ينقد وهو جاهل ؟
2- أن يكون الباعث على النقد الإخلاص ، فلا يكون منطلقا من هوى أو بغض لهذا العالِم.
3- ألا يمس النقد عرضه الشخصي ، فهذه غيبة محرمة.
4- أن يكون النقد نصيحة لهذا العالم ، بقصد التصحيح والبيان.
5- ألا يكون النقد فاحشا فوق خطئه.
6- إذا كان النقد لمسألة علمية فيكون النقد بأدب النقد من اختيار الألفاظ الحسنة ، وتجنب التجريح واتهام النوايا.
7- أن يكون النقد معضودا بالدليل الشرعي وسائر ما يبرر هذا النقد.
وأما إذا لم يكن موضع النقد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، فهذا لا يقبل كأن يكون في أصل من أصول العقيدة ، أو فيما أجمع عليه أهل العلم ، أو ما عُلم من الدِّين بالضرورة ، ومما ينبغي التحذير منه في هذه المسألة الخطيرة ، الحذر من الانزلاق في هذا الباب بدون علم ، وذلك لمجرد أن هواه ورأيه لم يقبل هذا القول ، أو بحجة هذا رأيي وهذا رأيك ، ولو لم يكن من أهل الاختصاص ، ومعلوم أن مسائل الدِّين والشرع ليست بآراء الأشخاص وإنما بما عضده الدليل.
تحرير المرأة
* ثمة أدعياء لتحرير المرأة ؟ فكيف يبين فضيلتكم زيف ادعاء هؤلاء ؟
- هذا موضوع طويل. ولا يشبعه مثل هذه الكلمات ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، ولعلي أفقطه في النقاط التالية :
- قضية المرأة في الإسلام قضية محسومة من جميع جوانبها ، ليس فيها غموض ولا التباس ، فقد تولى ذلك ربنا سبحانه وتعالى ولم يجعله لعقول وأهواء البشر ، وفصله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكتب في ذلك العلماء والمفكرون.
- لم يرق لأعداء الإسلام ما حرر به الإسلام المرأة مما كانت تعيشه في ظلام الجاهلية واضطهادها لها في كافة حقوقها - أُمَّاً وزوجة وأختا وبنتا وقريبة -.
- المرأة في القرون المفضلة قامت بمهامها خير قيام ، فأدارت منزلها ، وربَّت أولادها ، وأدت حقوق زوجها ، وأسهمت في بناء المجتمع ، وشاركت في ذلك ، ولم يظهر في تاريخ المسلمين تذمرا كالتذمر الذي نقرأه ونسمعه في عصرنا هذا ، لأنه لا مشكلة عندهم ، وقد مر على تاريخ المسلمين حقب كثيرة تقلبوا فيها بين قوة وضعف ، والمرأة تقوم بوظيفتها خير قيام.
- مما اتخذه أعداء الإسلام والمسلمين ومن والاهم هذا الشعار (تحرير المرأة) خداعا وزيفا ، وإلا عند التحليل العلمي ترد الأسئلة التالية : تحريرها من ماذا ؟ الذي نقرأه ونسمعه مؤداه : (تحريرها من الدِّين). ثم إلى أين يريدونها ؟ إلى ميادين خارجة عن قدرتها وفطرتها : والذي نقرأه ونسمعه أنهم يريدونها : عاملة في مصنع! شرطية في الشارع! مقاتلة في ساحات المعارك! عارضة أزياء! بائعة في المتجر! عاملة فندق! فهل إذا كانت كذلك تكون قد تحررت ؟ ثم : من يقوم على بيتها ؟ والجواب : خادمة. ومن يقوم برعاية زوجها ؟..!! ومن يربي أبناءها وأطفالها ؟ مربية وحاضنة !!
- هل يعني هذا أن ليس عليها مسؤولية في هذا الحياة ؟ وليس لها إسهام في بناء المجتمع ؟ لا شك أن الجواب : لا ، بل عليها مسؤولية عظيمة تنطلق من مقررات القرآن والسنة ، ولعلي لا أطيل على القارئ في هذه المسألة فأحيله إلى كتابي (المرأة ومسؤوليتها في الواقع المعاصر : رؤية تأصيلية شرعا وواقعا).أعود لأقول في هذه القضية وغيرها : إن لنا نحن المسلمين شخصيتنا المتميزة ، فعلينا تمثُّل هذه الشخصية ، وإبرازها بوضوح ، والاعتزاز بها مع مراعاة متغيرات الزمن والأحوال ، والحمد لله الذي أكمل لنا الدِّين وأتم علينا النعمة.
الحد الفاصل
* ما هو الحد الفاصل للإنكار في المسائل الخلافية ؟
- لقد اشتهر بين الناس أن لا إنكار في مسائل الخلاف ، ولكن الصحيح أن المسألة تحتاج إلى تفصيل ، فإذا كان الخلاف في مسائل أصول الدِّين ، أو خلاف المجمع عليه عند أهل العلم ، أو الخلاف فيما كان معلوما من الدِّين بالضرورة ، فهذا يجب الإنكار والبيان والتوضيح ، فهذه لا خلاف فيها وقد أنكر الله تعالى مسائل كثيرة وأنزلها على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها إنكار صريح .. أما المسائل الاجتهادية فيسوغ الإنكار بمعنى التوضيح والبيان بالدليل مع آداب الخلاف المعروفة ، ويمكن فهم القاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) بهذا الفهم.
* الإسلام دين السَّتر ، ويأمر بالستر ، فكيف يتم الجمع بين الستر وإقامة الحدود وتطبيقها ؟
- إن الستر هو واجب المسلم ، ولكن إذا علم شخصا أو جماعة يدبرون لقتل نفس معصومة أو هتك عرض أو نشر الفساد ، فعليه أن يبلغ ولي الأمر حتى يذوقوا عقوبتهم من الحد أو التعزير ، والستر يكون في المعاصي التي هي بين العبد وبين ربه ولا يتأثر بها المجتمع مع ضرورة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بمعنى النصح والتوجيه .. أما إذا وصل الأمر إلى ارتكاب ما يوجب حدا ، ووصل الأمر إلى الحاكم أو القاضي فلا شفقة ، ويقام الحد إذا حكم القاضي بذلك ، ومن هنا يظهر لنا بوضوح أنه لا تناقض بين الأمرين.
الخطاب للجميع
* (التاجر ، البائع ، المعلم ، المزارع ،.. إلخ) ، كيف يكون الجميع آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ؟
- قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } والخطاب لجميع أفراد هذه الأمة ، والخيرية لا تكون إلا بالقيام بهذه الشعيرة ، ولا يحصله إلى من اتصف به ، التاجر المسلم ، والبائع المسلم ، والمعلم المسلم ، والمزارع المسلم.. كلهم مطالبون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس هذا الواجب على عاتق العلماء فقط ؛ بل كل من علم أمرا من أمور الدِّين ورأى في أخيه المسلم تقصيرا أو تهاونا في الدِّين فعليه أن ينصحه ويبلغه ما علم من أمر الدِّين ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أكد ذلك بقوله : (بلغوا عني ولو آية) .. ومن الغيرة لهذا الدِّين ألا يسكت على شيوع المنكرات والتهاون في أداء الواجبات ، فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة) رواه أحمد.
ومن هنا يمكن تفقيط مهمة هؤلاء بما يلي :
- إن من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر قيام كل فئة بواجبها الشخصي ، فمثلا التاجر : يقوم بتجارته في الحلال ، ويتعامل بالحلال ويحذر من الحرام ، فهذا شجع السلعة الحلال ، ولم يفشِ في المجتمع الحرام ، فأعان على فعل المعروف وترك المنكر.
- إن كل من هؤلاء له أسرة فعليهم أمرهم ونهيهم بمقتضى شرع الله سبحانه وتعالى.
- أن يقوم كل منهم بحسب ما أعطاه الله تعالى من العلم وبخاصة في دائرته الخاصة ، فالمزارع بين المزارعين ، والصانع بين الصناع ، والطبيب بين الأطباء والممرضين والمرضى ، ثم في الدائرة الأعم بحسب قدرته ووقته ، فكم نفع الله تعالى من مريض بطبيب مسلم ؟ وكم نفع الله تعالى بتاجر حريص على أمواله موردا وإنفاقاً.
- إسهام كل منهم بما يستطيع في المعروف العام والإنكار العام ، ولكن بشرط أن يكون بعلم وحكمة ومراعيا جلب المصالح ودفع المفاسد.
دعاة ومعلمون
* يردد البعض ممن يسمى بالكُتَّاب والمثقفين والتربويين نداءاتهم بأن الفصل الدراسي مخصص للتعليم فقط ، ويقولون لا يحق للمعلم مهما كان تخصصه أن يخرج من موضوعه داخل الفصل لا بدعوة ولا بنصح ولا بإنكار .. فهل هذا صحيح ؟ وكيف نرد على أمثال هؤلاء ؟
- سبق وذكرنا بأن الخيرية لهذه الأمة لا تتحقق حتى يقوم جميع أفراده من المعلمين والتجار والعاملين والمزارعين بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قد يقول واحد بأن المعلم لم يكلف بنصح ولا إنكار من قبل هيئة التعليم ، ومعلوم أن من أهم أهداف التعليم تربية النفس وتزكيتها ، وهل يمكن الحصول على ذلك إلا بالنصح والدعوة.
ثم أقول : لعل من قال بهذه المقولة ظن أن وقت الدرس ينقسم إلى قسمين ، قسم للمادة العلمية ، وقسم للنصح والدعوة ، وهذا بلا شك تقسيم غير سليم ، ولكن المقصود هنا كون كل معلم داعيا إلى الخير ، وذلك بأن يجعل شرحه لمقرره العلمي منصبا فيما يفيد هذا الطالب أو الطالبة علميا وسلوكيا وأخلاقيا ، فمثلا معلم التوحيد يؤصل في نفوس الطلاب عمق الإيمان بالله وقوة العلاقة مع الله تعالى ، ومعلم القواعد يضرب الأمثلة في تقرير القواعد بما يعمق معاني الخير مثل : محمد مجد ، زيد يقرأ كتبا مفيدة ، صالح يشارك أباه في المصنع ، وهكذا ومعلم العلوم يكرس عظمة الله تعالى في بيان مخلوقاته .. هنا يكون المعلم داعية إلى الله .. وأعود لأقول لعل من أخطأ الفهم بناء على خطأ في التصور لهذا العمل ، وإلا فكيف يبنى أبناؤنا وبناتنا علميا وسلوكيا إذا كنا سندرسهم مادة علمية منفصلة عن واقع الحياة.

* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved