* الجزيرة - خاص :
يتعرض ناشئة وشباب الأمة في الوقت الحاضر إلى حملة شرسة يشنها أعداء الإسلام تستهدف عقيدتهم ودينهم وأخلاقهم ، من خلال طوفان من الأفكار الهدامة ، والآراء المنحرفة تبثها وسائلهم الإعلامية المختلفة والمتطورة من فضائيات وإنترنت ، والتي تحظى بشغف وإقبال فئات كثيرة من الشباب المسلم باعتبارها من تقنيات العصر ، فكيف نحمي هؤلاء الناشئة والشباب ، ونقوي عزائمهم بالقرآن الكريم وهدي النبوة ، لمواجهة تلك الحملات والأفكار ؟ .. (الجزيرة) طرحت هذا التساؤل على عدد من العلماء والدعاة في داخل المملكة وخارجها فكان هذا التحقيق :
الحصانة الكافية
في البداية يؤكد فضيلة الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء أن شباب الأمة الآن يتعرضون بالفعل لتيارات خطيرة من الأفكار الهدامة والآراء المنحرفة ، وهذه من أعظم المشاكل لأنهم إذا تركوا معها فإنها تفسد أخلاقهم وسلوكهم وتفسد عقيدتهم ، وهي تيارات كثيرة ومتنوعة ومتعددة المصادر ، تحملها وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز وصحف ومجلات وكتب هدامة تلفظها المطابع ، تحمل سماً زعافاً وتتلقفها أيدي كثير من الشباب الذي لا يميز بين الضار والنافع ، وهذه التيارات المتنوعة من مقروءة ومرئية ومسموعة إذا تركت تعصف بالشباب ، فإن نتائجها تكون وخيمة لأن الشباب الآن كثير منهم تغيرت أخلاقه وصاروا يقلدون الغرب أو الشرق في لباسهم ، في شعورهم ، في حركاتهم ، طبقاً لما تحمله إليهم هذه الوسائل التي أغلب أحوالها أن فيها الدس الكثير لإفسادهم ، والأهم من ذلك تغيير عقيدتهم .. فقد تحول بعض الشباب المسلم إلى ملحد ، إلى شيوعي ، أو علماني إلى غير ذلك من الأفكار الهدامة ، لأنه ما دام أنه مقبل على تلقف هذه الدعايات وهي تدفع إليه بيسر وسهولة وهو فارغ الذهن من غيرها ، وليس عنده من الحصانة ولا من العلم ما يفهم به هذه الشبهات المدسوسة أو هذه الدعايات المضللة فإنه يتقبل ما يصل إليه وكما قال الشاعر :
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلباً خالياً فتمكَّنا
فالشباب الذي يتلقف هذه الدعاية وهو خالي الذهن مما يضادها من العلم النافع لا شك أنها ترسخ في ذهنه ، ويصعب بعد ذلك اجتذابها منه ، ولا سيما أن كثيرا من الشباب يجهلون تعاليم الدين لأنهم لم يتلقوا من علوم الشريعة ما يمنحهم الحصانة الكافية التي يعرفون بها الخبيث من الطيب والضار من النافع ويميزون بها بين الحلال والحرام.
العلماء و الشباب
وحول العلاج الناجح لمشاكل الشباب الناتجة عن تعرضهم للفضائيات والإنترنت يضيف د. الفوزان : وعلاج هذه المشكلة إذا ما نصحنا لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ، علاج هذه المشكلة ميسور ويتلخص بأمور قريبة ميسورة كما يلي :
إصلاح المناهج التعليمية التي يدرسها الشباب في المدارس ، بحيث تملأ هذه المناهج بالعلوم الدينية النافعة ، بعلوم العقائد الصحيحة ومعرفة الحلال من الحرام في المعاملات وفي المأكل والمشارب والعادات والأخلاق ، حتى تمتلئ قلوبهم من العلم النافع الذي إذا تسلحوا به استطاعوا أن يميزوا بين الطيب والخبيث وأن يقاوموا الشٌّبَه التي تواجههم .. إصلاح المناهج أولاً واختيار المدرسين الأكفاء الصالحين الذين يوصلون حصيلة هذه المناهج وهذه العلوم النافعة إلى قلوب الشباب ويرغبونهم فيها.
التقاء الشباب بالعلماء من خلال الندوات في المساجد والمدارس على أن تكون ندوات مفتوحة للإجابة على مشاكلهم ، ولتوضيح الطريق أمامهم فإن على العلماء مسؤولية عظيمة نحو شباب المسلمين ، فللأسف هناك فجوة كبيرة بين الشباب وبين العلماء ، فالعلماء غالبهم في ناحية والشباب في ناحية أخرى ، وهذا مما تسبب في ضياع كثير من الشباب ، فعندما كان الشباب يلتقون بعلمائهم فقد كانوا على بينة من أمرهم ، ولكن حينما انفصل الشباب عن علمائهم حصلت هذه النكسات العظيمة ، بعد ذلك يأتي الحديث عن إصلاح وسائل الإعلام ، بحيث لا تبث إلا ما هو صالح ومفيد وموجه نحو الخير.
رد الأفكار المسمومة
أما الشيخ محمد عامر فيض الرحمن رئيس مجلس العلماء النيوزيلندي فيقول : يقع على عاتق الدول الإسلامية والعربية خاصة جانب كبير من هذه المسؤولية لحماية الشباب من سموم الفضائيات والإنترنت ، فبمثل ما يحاربنا الأعداء يجب أن نستخدم نفس الوسائل ، فعلى المسؤولين في هذه الدول استخدام مواردهم وإمكاناتهم المتاحة لإيجاد وسائل دعائية إسلامية تشرح قضايا الأمة الإسلامية خاصة تلك المتعلقة بالشباب ، وأن تكون هذه الوسائل على درجة من التقدم الذي يضاهي تلك الوسائل الإعلامية الغربية ، وأن ترد على جميع الأفكار المسمومة التي تكره الناشئة في دينهم ، وأن تبرز الجوانب المشرقة في ديننا الحنيف وتشجع على مكارم الأخلاق والآداب الإسلامية ، من خلال تقديم جوانب السيرة النبوية المطهرة ، وما جاء من أحكام في القرآن الكريم بطريقة تواكب العصر والتكنولوجيا الحديثة.
ويضيف الشيخ فيض الرحمن : وللدول الإسلامية في ذلك دور يتحدد في عون إخوانهم للوصول لهذا الهدف السامي ، الذي سوف يضمن لهم - بإذن الله - مستقبلاً أكثر استقراراً ويجنبهم الاعتماد المتواصل على الغير ، بل وقد يوصلهم إلى مرحلة المساهمة الفكرية لحل المعضلات الفكرية الإسلامية ، التي قد يتعرض لها العالم الإسلامي .. أيضاً على الجمعيات والهيئات والمؤسسات الإسلامية التواصل مع من سبقهم في مجال خدمة المجتمع المسلم في المجتمعات الغربية الأخرى ، للاستفادة من خبراته عموماً وفي مجال مخاطبة العقل الغربي خصوصاً ، لأنه ومهما كانت الإمكانيات المادية فلن تصل الرسالة واضحة إذا ما استخدم نفس الخطاب الشرقي والموجه للإنسان الشرقي ، فالمنطق عند الاثنين غير متطابق ولذلك نرى الفروق والاختلاف في فهم بعض المسائل الإنسانية والدينية ، وهذه مسألة تتطلب الشيء الكثير من الجهد والعمل.
ضعف الوازع الديني
أما الدكتور سعد الدين محمد الكبي مدير معهد الإمام البخاري للشريعة الإسلامية في لبنان فيقول : يعد الشباب في كل أمة ، أملها ، ومفتاح نهضتها ، فلا يمكن لأمة من الأمم أن تنهض إلا إذا أخذ الشباب فيها دورهم ، وبذلوا الجهد في سبيل عزها ونهضتها ، ولن يتمكن الشباب من ذلك إلا إذا أهمل الشيوخ وذوو الرأي السديد في الأمة دورهم في توجيههم وارشادهم ، وإيصالهم إلى المحطة التي ينبغي أن ينطلقوا منها بأمان ، بالترشيد والتوجيه ، وسلامة الرأي وحسن التربية.
لقد اهتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالشباب اهتماماً كبيراً ، حتى صار - صلى الله عليه وسلم - محط أنظارهم ، وأصبحت دعوته مركز اهتمامهم ، فاستجابوا له ، وآمنوا به وبدعوته ، فكان منهم : علي ، وبلال ، وعمار ، وصهيب ، ومصعب ، وغيرهم ، فقام - صلى الله عليه وسلم - بتربيتهم في دار الأرقم ، وعاش معهم ، ولم يتخلف عن قضية من قضاياهم ، حتى أحبوه وتعلقوا به ، وتخرجوا في مدرسته ، قادة وعلماء ومربين ، فكان منهم السفير مصعب بن عمير ، والقائد أسامة بن زيد ، كما كان منهم العالم والداعية.
ويضيف د. الكبي : من الملاحظ أن ضياع الشباب المسلم في هذا العصر يدور حول محورين اثنين :
الأول : انحراف في السلوك الخلقي ، وهذا سببه ضعف الوازع الديني ، والخوف من الله ، ولذلك نجد هذا الصنف من الشباب يرتكب الكثير من المحرمات : مثل المعاكسات أو تعاطي المخدرات أو ارتكاب جرائم السرقة وغيرها من الجرائم الأخلاقية ، والمحور الثاني : انحراف في السلوك الديني وهذا الانحراف له عدة أسباب منها ضعف التأصيل العلمي أو انعدامه ، وضعف المرجعيات العلمية التي ينبغي أن يرتبط بها الشباب ، كذلك وجود كوادر حزبية تحمل في جعبتها برنامج عمل جاهز ومحدد الأهداف ، يضاف الى ذلك عدم وضوح البرنامج الإسلامي الشرعي على مستوى الأمة ، وانعدام المرحلية في الدعوة ثم حالة الضعف في الأمة الإسلامية ، مع بروز عدد من الجرائم التي ارتكبت وترتكب في حق شعوب إسلامية ، الأمر الذي يعكس ردة فعل غاضبة عند بعض الشباب الذين لا يضبطون انفعالاتهم ، ولا يملكون الضوابط الشرعية للتعامل مع الحدث مع فقدهم - كما ذكرنا - التأصيل العلمي ، فيخرجون على أمتهم وعلمائهم بهذه الأفكار التكفيرية الخطيرة والتي يمارسون معها العنف ، ويتحول الإسلام في تصورهم إلى قضية (بوليسية) تماماً ، بدل الدعوة إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة والسعي لإخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل والتخبط ، إلى نور الإسلام وعدله وسماحته ، ووضوح أحكامه وجلاء تصوره للوجود والحياة.
تشخيص الداء
وحول سبل علاج هذا الانحراف يقول د. الكبي : إذا تصورنا المشكلة بأبعادها الحقيقية ، وأمكننا تشخيص الداء ، صار من السهل - بإذن الله - أن نصف الدواء ، ونضع العلاج ، للخروج بالأمة من حالة ضياعها بضياع شبابها ، وتجنيب العثرات والزلات التي تتسبب بزيادة ضعفها ، مع تسلط عدوها عليها وتربصه بها ، وإن من أهم الوسائل التي ينبغي أن نقوم بها في هذا الاتجاه ما يمكن تلخيصها فيما يلي :
سد منافذ الشر التي يدخل منها أعداء الأمة إلى أفكار وعقول الشباب ومنها الفضائيات والإنترنت ، وتهذيب برامج الترفيه ، وتخليصها من كل الشوائب الأخلاقية ، وإيجاد البدائل الشرعية في حياتنا المعاصرة ، والتركيز على التأصيل العلمي الشرعي ، وجلاء منهج أهل السنة والجماعة في التكفير ، والتعامل مع الحاكم ، مع بيان وجوب الارتباط والرجوع إلى أهل العلم في النوازل ، وإظهار المرجعية العلمية التي ينبغي أن يلتف حولها الشباب ، ويعطوها الثقة والحب ، بحيث يكون ظهورها ظهوراً قوياً واضحاً لا يغيب ، والاهتمام بقضايا الشباب والتفاعل معها وإيجاد الحلول لها ، وإحياء دور المدرسة بالتركيز على التربية إلى جانب التعليم ، ويساعد في هذا المجال إيجاد القدوة الصالحة (المدرس والمدرسة) للتأثير والتأثر ، وإحياء رسالة المسجد ، بأن تكون مساجدنا مدارس للتربية والتعليم ، وموئلاً اجتماعياً يحتضن الشباب ، ويوجههم توجيهاً سليماً ، وإحياء دور المعاهد الشرعية ، والجامعات الإسلامية ، في تخريج الدعاة المتبصرين بنور العلم ، وجلاء المنهج السني النبوي في الدعوة إلى الله - منهج الوسطية ، وربط الشباب بقضية كبرى تتعلق بها قلوبهم ، ويشتغلون لها ، وهذا الموضوع جدير بالاهتمام ، لأن الشباب الذين انحرفوا في أفكارهم ، كانوا في الأصل فارغين ليس لهم قضية يشتغلون بها ، فجاء من يشغل قلوبهم بقضايا كبيرة ، تعلقوا بها ، وبذلوا أرواحهم وأنفسهم لأجلها ، فالفراغ الذي يعيشه كثير من الشباب المسلم ، وحتى طلاب العلم منهم ، سببه عدم وجود قضية كبرى تشغل قلوبهم ، وتملأ أوقاتهم ، وإن أعظم قضية ينبغي أن نشغل بها شبابنا ، الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، واحياء الإيجابية في الدعوة إلى الله ، بالتركيز على التربية والمحاضن التربوية التي تنمي جوانب الخير في الأمة ، كدور التحفيظ والمراكز الدعوية ، والأندية والملتقيات الإسلامية ، وغيرها من الأنشطة التربوية والتعليمية الهادفة .. وحقيقة لقد أخطأ كثير من الدعاء في هذا العصر ، بالتركيز على الجوانب السلبية ، فكلما خرج منكر ، أو حصل شيء من الشر والفساد في جانب من جوانب المجتمع ، قاموا بالتحذير منه بصيحات مدوية وصرخات مجلجلة ، الأمر الذي يجعل الدعاة دائماً يحذرون ويصيحون ليس لهم عمل إلا ذلك وقد تحصل فتن بسبب ذلك ، كما نسمع من بعض الشباب في كل مجلس ، لا يتكلمون إلا في الشر الموجود في الأمة ، حتى يكاد السامع أن يحكم على الأمة بالردة من شدة تقنيطهم ، فبإحياء الإيجابية في الأمة ، والتركيز على الإيجابيات ، نغلق أبواب الشر ، ونحفظ ساحتنا الإسلامية ، ونجد فرص عمل دعوية وتربوية - إيجابية - للشباب ، يشتغلون بها وتملأ أوقاتهم ، وإقامة الندوات والمؤتمرات التي تجمع بين العلماء والدعاة ، لتوحيد الجهود ، وتبادل الآراء.
|