تظل الأرواح كالطيور المهاجرة.. ما توافق منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف. والنفس البشرية بطبيعتها تميل إلى مَنْ يكسب ودها، وتود مَنْ يحسن اليها.. وكما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
ومع مرور الزمن تنشأ علاقة غير عادية تفرضها ظروف الحياة، سواء في العمل أو الجوار أو القرابة.. وربما للصدفة دور في ذلك.
ومع إيقاع العصر وتقلبات الاحداث تتبلور جسور الصداقة، وترسم الايام معالمها ويقوى نسيجها.. ولكن المحك الحقيقي لمدى هذه الصداقة ومتانتها ومغزاها هو النوائب والمواقف الصعبة والمنعطفات الحرجة التي تمر بالانسان، حيث يتذكر أصدقاءه الأوفياء، ولكنهم يندرون عند الحاجة إليهم.. يقول الشاعر:
وما أكثر الأصحاب حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليلُ
إنَّ للصداقة وجهاً مشرقاً، وغايات نبيلة، وأهدافاً سامية إذا بُنيت على الصدق والمحبة والتضحية والوفاء.. وهناك الكثير من القصص والأسماء التي حفظها ديوان العرب، وتناقلها الناس.. وهذا النوع من الصداقة تزيده الظروف قوة وصلابة. وعلى العكس تماماً، فهناك وجه قبيح لصداقة المصالح، اتخذها أصحابها جسوراً للوصول إلى أطماعهم، حيث تنقصم عرى هذه الصداقة بزوال المصلحة أو بالوصول إلى الغاية.. وكما يقول المثل (من أحبك على شيء كرهك على فقده).
* في هذا الزمن اختلط الحابل بالنابل، وأصبح الصديق الصدوق عملة نادرة، بل وصل الأمر إلى صداقة السوء، حيث ينسج شراء الاصدقاء حبائل الغدر والمكيدة لاصدقائهم، وحكمتهم: (الغاية تبرر الوسيلة).
فعلينا أن نُعيد النظر في صداقاتنا، وأن نحسن اختيار الصديق في زمن قلَّ فيه الصدق.
قبل الوداع
أبيات معبرة للشاعر المبدع صالح الضويحي تصور الصداقة: