* حمّاد بن حامد السالمي :
* أتمنى ألا نتوقف كثيراً عند (حالة)، خروج منتخبنا من الدور الأول في كأس (خليجي 17) في الدوحة هذا العام، وألا نكتفي ب(الانتحاب) في زمن (الانتخاب)، وأن نبحث عن أساس المشكل، في التراجع الذي ظهر على الكرة السعودية في السنوات الأخيرة، ابتداءً من الأندية المحلية، وصولاً إلى المنتخبات الوطنية.
* إن مسؤولية (الخروج الكبير) من كأس الخليج - في رأيي المتواضع - غير الكروي بطبيعة الحال، لا تقتصر على اللاعب (محمد نور) وحده، ولا اللاعب (محمد الدعيع)، أو حتى بقية عناصر الفريق، والكادر الإداري والفني، والمدرب.. إن المشكل أوسع وأكبر من منتخب يمثل المملكة العربية السعودية، سواء في كأس الخليج، أو في مسابقات عربية وإقليمية ودولية أخرى، لقد ظهرت شرارة التراجع هذه واضحة، حتى قبل تلقينا لثمانية ألمانيا الشهيرة في اليابان عام 2002م، وكان ينبغي أن نتنبه إلى أن الرياضة السعودية في خطر، منذ سنوات التألق تلك، وسوف يظل هذا الخطر قائماً، إذا لم نبدأ الحل من جذور المشكل، وسوف يتفاقم أكثر، إذا كنا نلجأ في كل كبوة رياضية تصادفنا، إلى عمليات جراحية تجميلية لهذا الفريق أو ذاك، ونكتفي بمسكنات على مستوى المنتخبات، التي تحمل على عاتقها في كل المرات، التمثيل الوطني للبلاد.
* أتذكر أني كتبت هنا قبل سنوات، محذراً من مثل هذا النفق الخطير، انطلاقاً من التهميش المتعمد أحياناً، للرياضة البدنية والكروية في سياق التعليم العام: (مستقبل الرياضة السعودية.. على كف التعليم العام. الجزيرة - الأحد 26 شوال 1421هـ، والجزيرة أيضا، 9 يونيو و23 يونيو من عام 2002م)، هل ينكر أحد هذا الواقع الذي ما زال جاثماً حتى يوم النكسة الكروية هذا..؟!
* بطبيعة الحال، جرت أخطاء فردية غير مقبولة، من قبل اللاعبين: (محمد نور والدعيع) ومن غيرهما، إلى جانب أخطاء إدارية وفنية واضحة، وتقصير من المدرب وغير ذلك، وحسناً فعل المسؤولون عن كرة القدم، فيما صدر عنهم من قرارات نتمنى أن تكون رادعة، ولكني على يقين تام، أن (نور) الذي أساء السلوك في مباراتين في الدوحة، هو نتاج لمن يعمل منذ سنوات عدة، على إطفاء كل شمعة مضيئة على أرضية الكرة السعودية..! وإذا أردتم معرفة من يكون هذا، فاذهبوا فوراً إلى مدارس التعليم العام، واسمعوا بعض الأشرطة الصوتية التي تقدم للتلاميذ والطلاب، مجاناً باسم الدعوة والصحوة، وانتبهوا إلى ما يرسل تباعاً من على منبر الجمعة في بعض المساجد، واعرفوا ماذا يقول بعض أولئك الذين يتلقفون ميكرفونات المساجد بعد الصلوات الخمس..!! إنها أيها السيدات والسادة، حرب المغالين والمتشددين والمتطرفين، ضد الدورات الرياضية، والمسابقات الكروية، وضد كل المنظمين والمديرين واللاعبين، وبالخصوص نجوم كرة القدم في بلادنا، الذين يوصفون في الخطاب المتشدد والمتطرف لهؤلاء، بأقذع الأوصاف، وربما وصل الأمر بأحد المنبريين والصوتيين في (الشريط الإسلامي)، إلى تفسيق وتكفير هذا اللاعب أو ذلك.
* هذا هو العمل الذي يلاحق به نجاحات الكرة السعودية منذ عدة سنوات، فما ترك مدرسةً أو مخيماً أو منبراً أو محفلاً، إلا وسحب عليها بعض ضبابياته وكهفياته وهلامياته.
* ليس من العدالة في شيء، أن نقسو على أبنائنا في المنتخب، ونتبرأ من مسؤولياتنا كمجتمع ومؤسسات وأفراد.. وإلا من أين أُتي نجوم المنتخب الوطني، الذين ظلوا يمثلون بلادنا في المحافل الرياضية على كافة المستويات..؟ إنهم نتاج البيت والمدرسة والنادي، بل وحتى الساحات العامة والحواري، وفي سنوات معلمي الرياضة المتألقين في المدارس كانت تقام المسابقات والمهرجانات، التي تبهر أهل المدن والقرى، وتغذي الأندية بالكفاءات الشابة، ثم عندما خبا دور المعلم الرياضي في المدرسة، وانتشرت ثقافة (الدعوة والدعاة) في الفصول الدراسية بديلاً عنها، تحولت حصص بعض المواد، إلى هذا الاتجاه، ومنها حصص الرياضة البدنية والتربية الفنية، وظهر من المعلمين، من يرتاب في أمر الرياضة البدنية، هل هي حلال أم حرام..؟! واكتفى بعضهم من هذا المنهج الرسمي المكلف به، بحركات (طابورية) صباحية أو ضحوية، لا تتعدى (فوق تحت - يمين شمال - أمام خلف)، فما عدنا نرى ذلك الاهتمام الذي تعودناه بهذه المادة في التعليم العام، ولا عدنا نعيش تلك المسابقات والمهرجانات الرياضية السنوية، التي تشجع الشباب، فتصقل مواهبهم، وتثري ثقافتهم الرياضية والكروية، وتفرز الكفاءات الصاعدة، وتبرز الطاقات الواعدة.
* إذا أردنا أن نحاسب (نور) اللاعب، فينبغي ألا ننسى الوضع المتردي، الذي تعيشه بعض الأندية الرياضية في مدن الأطراف، ومنها ما أزمع أمره على القفل بالضبة والمفتاح كما يقولون، وأن نتنبه، إلى التردي كذلك في الإعلام الرياضي، الذي - ربما - أفرط في جانب ميوله وتعصبه إلى أنديته وفرقه، على حساب المنتخبات الوطنية، عوضاً عن تقصيره في النقد البناء، الذي لم يواكب مرحلة التصعيد في بناء أجيال كروية بعضها فوق بعض، تغذي الأندية الرياضية، وترفد المنتخبات الوطنية، فقد استسلم الإعلام الرياضي في العقد الماضي على ما يبدو، إلى نخبوية من نوع خاص، فلم يبرح القمة إلى القاع، ليقف على حقيقة الجفاف الذي أخذ يهدد المنبع.
* ليتنا لا نجعل من نكسة الدوحة - وهي العاصمة التي خطفنا من ساحاتها أثمن البطولات الرياضية في كرة القدم - فرصة للتقليل من كفاءة لاعبينا، ولا الطعن في وطنية أحد منهم، حتى المسيئين منهم الذين يستحقون العقاب النظامي لا التخوين والإقصاء، وأن نذود عن الكرة السعودية بكل قوة ممكنة، فلا نسمح لأحد مهما كان، أن يعمل وصياً على مشروعها الوطني، فيدخلها وفق تفسيرات واجتهادات خاصة، في (قمقم) من أسلوب الخطاب الديني المتشدد.
* إن النكسة التي منيت بها الكرة السعودية في (خليجي 17)، هي نتيجة حتمية مستحقة، لحملات قاسية جداً، من التشويه والتكريه وحتى التجريم، كرست وما زالت تكرس، ضمن نسق ظهر به الخطاب الديني المتشدد، على مدى ربع قرن، كان من نتائجه المباشرة علينا، شيوع فكر التطرف، وظهور عمليات العنف، والممارسات الإرهابية ضد الدولة والمجتمع، ثم هاهي الرياضة السعودية، بحسبانها مشروعاً وطنياً عظيماً، له منجزاته ومستحقاته في الداخل والخارج، تُمنى بنكسة كروية، لا يمكن أن تعالج بمعزل عن مسبب رئيس، وهو الفكر المتشدد المضاد لمشروع رياضي وطني، جاء ليستوعب الشباب من الذكور فقط، ويحقق طموحاتهم.
* إذا أردنا كرة سعودية تبقى في القمة دائمة، دون تذبذب أو نكوص ونكوس، فلنا في التجربة العمانية مثال جيد، ولنا قبل ذلك وبعده، خبرتنا وقدرتنا، على البحث في جذور هذا المشكل من المنبع حتى المصب.. من البيت والمدرسة والنادي.. حتى المنتخب، لابد أن نوقف حملات التشويه والتكريه المتعمدة، ضد شبابنا الرياضيين، وضد الأندية والمنتخبات، وضد المسابقات والدورات والمنجزات الرياضية، التي تطرحها الدولة لفائدة شباب الوطن، ثم يرى فيها بعضهم، عبثاً ومنكراً تجب إزالته.
027361552fax: |