هي امرأة ليست كالنساء، جمعت خصالاً وخلالاً قلَّما تجدها مجتمعة في إنسان خاصة في هذا الزمن المتردي الذي عز فيه التميز وندر فيه الصفاء.
هي مخلوق بشري تعيش مع الناس وتخالطهم، تألف وتؤلف، حسنة المظهر، تتميز بحياء جم يذكِّرك بنساء قد مضين، لكنها ذات شخصية واثقة مستقرة، قد وُهِبت من الحكمة قدر كساها ووقار وسمت يتسامى للأعلى، ليست مثالية تسبح في الخيال لكنها تتعامل مع محيطها تعامل العارف الخبير، تتميز بشمولية التفكير واتساع المعارف، حصلت على مؤهل علمي جامعي منحها مفاتيح ماهرة في تصيِّد المعارف وحب القراءة المفيدة.
هي ربة بيت، نعم ربة بيت!
هذا اللقب الذي تنفر منه الكثيرات، أدركت مبكراً أنها تدير مؤسسة مهمة، هي مؤسسة الأسرة الصغيرة في حجمها الكبيرة في إنتاجها وعطائها للمجتمع فحرصت على الإحاطة بكل العلوم والمعارف التي تهم عمل هذه المؤسسة مما جعلها خبيرة باقتدار لإدارة هذه المؤسسة فكلما زادت مسؤوليتها وأعمالها توسعت معارفها فأبدعت أيما إبداع في ابتكار وسائل وأساليب راقية في أصول التربية الأسرية بجميع جوانبها المختلفة، وطبقتها على الواقع في محيطها الأسري فأثمرت نتائج مبهرة ليس في تكوين وسلوك أبنائها وبناتها فحسب بل في تكريس الاستقرار العاطفي والأسري لجميع أفراد الأسرة ومن يمت لها بصلة قربى..
هل اكتفت بهذا؟
لا، فمثلها لا يكفيه هكذا دور وإن كان عظيماً، فهي متابعة لقضايا وهموم أمتها ومجتمعها خاصة ما يتعلق ببني جنسها النساء المسلمات، لها دور إيجابي في كل محفل تستطيع التواصل معه عبر قنوات سليمة تتفق مع رؤاها وثوابتها المعتبرة، حريصة على إيصال صوت الحق إلى كل الناس مدركة أن المرأة المسلمة لن تخدع وهي متسلحة بسلاح الإيمان والعلم وواعية بالمخططات الشريرة التي تحاك في الخفاء لجرها إلى مهاوي الانحراف الفكري والانحلال الخلقي، كل ذلك باسم تحرير المرأة المسلمة ومنحها حقوقها المهدرة.
هي تعرف مغزى القوم من كل هذه الشعارات البراقة والمطالبات الخداعة، لذا فهي تواجه كل ذلك بكل ثقة بالرفض والمراغمة بل يتعدى دورها إلى أبعد من ذلك بالمشاركة الفعالة في توعية أخواتها بالحبائل الشيطانية وراء هذه الحملات المسعورة الموجهة لهن، فتارة تكتب مقالاً وتارة تؤلف وتفند أباطيل القوم وافتراءاتهم وتارة أخرى تشارك في محافل دعوية وإرشادية حتى غدت كنحلة تبث الشهد في كل ناحية يصحبها بركة في الجهد والوقت زادت بحسن نيتها ونبل مقصدها وقدرتها الفائقة على تنظيم وقتها وإعطاء كل مجال حقه من الرعاية والاهتمام بشكل متوازن وحصيف.
كل ذلك وهي بارّة بزوجها متبعلة له خير تبعل، متفاعلة معه في أموره الخاصة والعامة قد وجد منها من الأنس العاطفي والمودة الدافئة ما لم يجده الكثير من نسائهم الفارغات!
ترعى حقه وتعرف قدره مستلهمة في ذلك أخلاق أمهات المؤمنين والسالفات الفاضلات من الصحابيات الكريمات.
وقد وفقت بزوج يبادلها نفس المشاعر والتعامل فانسابت منها ينابيع الخير والعطاء تترى وبشكل تلقائي غير متكلف فأثمرت أعمالها نتائج بناءة ناجحة مما منحها حافزاً مضاعفاً لمزيد من التفاني واستثمار جهدها في سباق مع الزمن لتحقيق أكبر قدر من الإنجازات حتى إنها مع هذا التألق في نشاطها والديمومة عليه أصبح جزءاً من حياتها قد ألفته وألفها فلم تعد ترضى بحياة الخمول والهامشية.
فمثلها خسارة أن يخلد للدعة والخمول وقد منحه الله هذه القدرات والمواهب الفذة التي لا يخلو إنسان من توفر قدر منها لديه ولكنه يحتاج إلى المبادرة والثقة في النفس لتحفيز هذه المواهب والقدرات للحراك والعمل المنتج المنسجم مع إمكاناته وظروفه، وعندها سيرى العجب العجاب في بروز قدرات جبارة لم يدر بخلده أنها متوفرة لديه.
هذه امرأة يحق لي أن أقول إنها بألف بل بأكثر في هذا الزمن الذي تغيرت فيه المفاهيم والتصورات، لكن مع ذلك أؤكد أن مثلها في الأمة كثيرات يشكلن الدرع الواقي ضد كل حملات الإفساد والتحرير والهدم للأسرة المسلمة لكن مع اشتداد الصراع وقوة الحملة ضد الفضيلة تضاعفت الحاجة لأضعاف من أمثالهن للتصدي لهذه الهجمة الشرسة التي تصوب سهامها لمقومات الأمة وبنيانها الأخلاقي والاجتماعي، فحري بنا أن نشحذ الهمم ونخلق البرامج والمناهج التربوية المنظمة لتخريج مثل هذه النماذج الرائدة التي ستشكل بإذن الله طلائع للخير تساهم في تماسك قوة الأمة ومن ثم العمل الحثيث لإعادتها لسالف مجدها وسابق عزها قائدة للأمم نحو النور الإلهي والهداية الربانية.
|