Thursday 23rd December,200411774العددالخميس 11 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

تربية الناشئة .. مسؤوليتنا تربية الناشئة .. مسؤوليتنا
ناهد بنت أنور التادفي - الرياض

قال الله تعالى في كتابه الكريم مخاطباً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم. وقال جلّ من قائل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
الأخلاق هي المنظومة الأمثل لتحقيق مجتمع متماسك مترابط يبدأ من الأسرة نواة المجتمع، ويتوسع دوائر لتشمل المجتمع كله، وقد أثبتت البحوث والدراسات بأن الأخلاق ولو أنها تنتمي بأدنى الشروط إلى عامل الوراثة، إلا أنها تُكتسب اكتساباً بالتربية الصالحة وبالاهتمام بالنشء، وبالمتابعة والمراقبة، وبتأصيل القيم الروحية والمادية في طويّة النفس وهي تبني نموها، فتستقيم وتكون عامة للخير والصلاح.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، وهو الذي تربى في مدرسة الله سبحانه فكان المثال الصالح للبرية، ولنا في نسل آل سعود مثال آخر وهم الذين تربوا في مدرسة المغفور له - بإذن الله جلالة - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، فكانوا البررة الأوفياء لدين الله ولخير ورفاهية وسعادة شعبهم.
لذلك فإن التربية مسؤولية عظيمة، وهي الوظيفة والرسالة التي حملها الأنبياء والمرسلون قال الله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ} (151) سورة البقرة، والتزكية هي التربية، وهذه روح المسؤولية! مسؤولية دينية في المقام الأول، ومسؤولية اجتماعية في المقام الثاني، ومن هنا تبدو أهمية تحصين أولادنا من مسوأة الأفكار المنحرفة والهدامة، ولاسيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه الانحرافات الفكرية والأخلاقية بما يتعلق بالتكفير والفسق والخروج على النظام العام وتهديد وحدة الأمة وسلامة الوطن.
إن أهم عناصر المسؤولية على الإطلاق، هو الجانب المتعلق بمصادر تربية أولادنا في البيوت وفي مراحل النشأة الأولى، وهي المرحلة التي يتلقى فيها الولد المعلومات والأفكار، والتي ترسخ في تكوينه الأساسي، ولذا يحسن التنبه إلى خطوات مهمة جدا في هذا الجانب، أولها أن ندرك بأننا نمثل بتصرفاتنا الصغيرة والكبيرة أمام أولادنا شعائر يسعى الولد لتقليدها، وبالتقادم تصبح ركيزة في أخلاقه صالحة كانت أو غير صالحة وهذا يفرض علينا الانتباه كثيرا إلى هذه الناحية.
ومن المفيد أن نشير إلى بعض الأمور التي تساهم فعلياً في تربية أولادنا إذ علينا أن نتابع ونراقب المواد التي يقرؤونها من كتب ومجلات وغيرها من مصادر المعرفة لأن هذه المصادر هي غذاء فكرهم، ومادة لبناء تفكيرهم الذي ينعكس فيما بعد على سلوكهم، فلا بد من التأكد من سلامة الأفكار وصحة المنهج في هذه المصادر، وإذا كان من المؤكد أنه في عصرنا هذا أصبحت مصادر المعرفة مفتوحة على مصراعيها، ولا يمكن احتواؤها فإن المراقبة والمتابعة اصبحت أشد ضرورة للحذر من كل فكر أو سلوك يضرّ بأولادنا في معتقدهم أو أنفسهم، وللوقاية من أي جنوح إلى طريق يسيء إلى وطنهم وأمتهم.
ومن الأهمية بمكان أن نراقب سلوك رفاق أولادنا في المدرسة أو في الحي، لأن الرفيق له تأثير كبير في تشكيل سلوك رفيقه، وهذا يفرض علينا كأولياء أمور أن نبحث ونستقصي معرفة الرفاق .. أفكارهم، أنسابهم .. أعمارهم .. سلوكهم .. أين يقضون أوقاتهم .. أحاديثهم .. وذلك من خلال المعايشة اليومية والسؤال والمتابعة والمراقبة أيضاً.
إن الرحلات الجماعية فيها فوائد جمة وهامة، وهذا أيضاً يستدعي منا متابعة رحلات أبنائنا وذلك عن طريق التأكد من وجود إشراف سليم ومباشر ممن نثق بفكره وسلوكه من المربين الفاضلين المشرفين على تلك الرحلات، لنضمن سلامة الفائدة من الرحلات كونها مصادر معرفة، ونشاط بدن وفكر.
ينظر كثير من الآباء بعدم اكتراث إلى كثير من مصادر المعرفة، سواء عن جهل أو عن استخفاف، في حين أنها هامة وضرورية ومؤصلة، وكمثال فإن شريط (الكاسيت) مصدر معرفي سمعي أو بصري، وقد لا يكترث الآباء بمضمون وصوله إلى أبنائهم اعتقاداً منهم بأنه غير مؤثر، وقد يتضمن مادة مضرة بالأخلاق أو بالأفكار، فلا بد من مراقبة ما يسمعه أبناؤنا من أشرطة، ولا بأس أن نستمع بأنفسنا للشريط قبل أن يصل إلى أبنائنا للتأكد من سلامة محتواه وهدفه، وكذلك الأمر بالنسبة للأفلام وأفلام الكرتون بالذات التي تحتوي على مشاهد تحرض على العنف، وانحراف الأفكار، حيث أكدت الدراسات العلمية الإحصائية والميدانية خطرها الشديد، فلا بد من (فلترة) ما نسمح به لمشاهدة أبنائنا منها لئلا تتشرب به أفكارهم وينعكس على سلوكهم، إضافة لما يتابعه الأبناء عبر شبكة الانترنت.
كما أن التربية الوطنية السليمة لها الأثر الكبير في تقويم سلوك أولادنا، حيث التربية الوطنية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق من خلال التعليمات والإرشادات المباشرة وحدها، بل لا بد مع ذلك من استخدام أساليب الإقناع والتشويق والمقارنات العقلية، لكونها أشد تأثيراً في قناعة الناس ولا سيما الناشئة منهم، فيكون ذلك أبلغ في التأثير من الأخطار التي تهدد وحدة الأمة وسلامة الوطن، كالانتماء للأحزاب والجماعات المنحرفة والضالة أو الانخداع بأفكارهم المضللة.
أن نركز بالعناية عند تربية أفكار أولادنا بسلامة نسيج المجتمع ووحدة الوطن عن طريق ترسيخ المعاني الإسلامية الرائدة في العلاقة بين الراعي والرعية، وذلك بأن نتيح لأبنائنا فرصة القراءة بتدبر لما جاء في مسألة طاعة ولاة الأمر والعلماء في غير معصية الله ومعرفة حقوقهم وجهودهم، واختيار الكتب التي تؤصل ذلك؛ لأن هذا حصن حصين للأولاد، وخاصة في هذا الوقت الذي كثرت فيه وسائل الشر والفتن.
ومن الأهمية بمكان أن نرسخ في عقول أولادنا أهمية وفاعلية تعاون المواطن مع المسؤول من أجل تحقيق أمن الفرد والمجتمع، وأن نسعى لبناء جسور من التعاون بينهما، وبذلك تكتمل حلقة التعاون بين أفراد المجتمع من واقع أن هدف الجميع من مواطنين ومسؤولين مدنيين وعسكريين هو خدمة الوطن والمحافظة على أمنه.
ولا ننسى الدور الهام للإعلام الذي بات يدخل كل بيت، وله التأثير الكبير في التربية الخاصة والعامة، ومن هنا يجب على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والأقنية الإعلامية الأرضية والفضائية أن تنهض بواجبها حيال ترسيخ المعاني التربوية الهادفة؛ لأنها من ضرورات سلامة كيان الوطن ووحدته.
وهنا يحسن التأكيد على أن المسؤولية ليست ملقاة على عاتق الأب أو الأم وحدهما بل هي مسؤولية مشتركة بين أفراد الأسرة من آباء وأمهات وإخوان وأخوات وأقارب، والمدرسة، ليقوم كل منهم بهذه المسؤولية في حدود واجباته.
ولا شك في أن المرأة شريكة الرجل في المسؤولية التربوية، لذا فإنه يحسن تنظيم محاضرات تلقيها الداعيات في مجتمعات النساء وملتقياتهن العلمية والتعليمية، في المدارس ودور تحفيظ القرآن، وبالتعاون والتنسيق مع الجهات الرسمية المخولة والتربوية عن الموضوعات التي تدعو إلى تعليمهن أصول التربية المؤسسة على الدين أولاً، والحاجة في هذا الوطن إلى التراحم والتراص والولاء لأولياء الأمور بما يحقق وحدة الصف الوطني وصلاح المجتمع.
إن هذه بعض التصورات التي تساهم بشكل فعّال في تربية أولادنا تربية صالحة بعيدة عن الانحراف، وعن تسرب الأفكار الهدامة التي تصل بهم إلى الفساد ومعصية الله والإساءة إلى أسرهم ومجتمعهم.
ويبقى التطلع الأمثل والغاية الأهم من وراء ذلك كله هو في أن تتضافر جهود الجميع لتحقيق المجتمع المتماسك المتعاون الآمن في أفكاره وفي سلوكه، ويعود بنا الأمر للتركيز بشكل أساسي على دور الأسرة والبيت في مسألة التربية، فالبيت هو نواة المجتمع، بصلاحه يصلح المجتمع كله.
نسأل الله العزيز القدير أن يهدينا جميعاً سواء السبيل فهو ولي ذلك والقادر عليه.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved