أصبح الماء في السنوات الأخيرة بنداً في السياسة الدولية وتحول الماء إلى قضية تشغل دول العالم أجمع لأن الماء لا يقدّر بثمن ولأنه قضية حياتية واقتصادية بالغة الأثر في حياة الشعوب وبما أن الماء هو عصب الحياة وشريانها فقد أعلنت الأمم المتحدة عام (2003م) سنة دولية للماء العذب، ووافقت قمة الأرض في أغسطس (2002م) على تقليص عدد البشر الذين يفتقرون إلى الماء النظيف والتصحاح إلى النصف حتى عام (2015م) والتصحاح هو الوقاية الصحية بالنظافة والماء المناسب.. واليوم يزيد عدد البشر الذين يفتقرون إلى الماء الجيد في البلدان النامية على (بليون نسمة) ويفتقر (2.4 بليون) إلى خدمات التصحاح الأساسية.. لذلك لابد أن نحافظ على الماء لأنه لا يقدّر بثمن.
وحيث إن الماء يمثل أكثر المواد شيوعاً وانتشاراً على سطح الأرض بحيث يوجد منه بحار وماء غير صالح للاستخدام البشري بنسبة (97%) والنسبة الباقية والتي تمثل (3%) ثلثان مجمدان في القطبين الشمالي والجنوبي ولا يبقى من مياه الأرض سوى (1%) متاحة لاستهلاك البشرية.. والمفترض ان يكفيهم ولدورة الحياة الطبيعية عظة وعبرة حيث نجد دورة تجدد المياه مستمرة بإذن الله، إلى ما شاء الله.
وان المهدر البشري الكبير للماء يعتبر عقبةً كبيرة في وجه استمرار وجود هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها علينا وينجم هذا المهدر عن رفض تصنيف الماء مورداً اقتصادياً يحكمه قانون العرض والطلب.. فالماء شرط حياة وهو أثمن ما نملك.. ولذلك لابد أن تحافظ على الماء لأنه لا يقدر بثمن.
وفي مملكتنا الحبيبة هناك أزمة مسماها تزايد استهلاك المياه مقابل ندرة مواردها المائية.. وهذا ينذر بخطورة المرحلة المقبلة إذا لم نتعاون جميعنا للترشيد المائي في كل مجالاته ولذلك قامت وزارة الماء والكهرباء مشكورة بتنفيذ حملة التوعية والترشيد الوطنية (القرار بيدك).. لأن الترشيد مطلب ضروري، رغم أن الدولة أيدها الله تبذل جهوداً جبارة وأموالاً باهظة إلى تحلية المياه المالحة بهدف توفير الماء العذب إلى كل فرد فيها.
وها هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز يتحف العالم أجمع بالمبادرة السعودية الكريمة لجائزة سموه الكريم العالمية للمياه في دورتها الأولى وسموه الكريم بإنسانيته الفذة وعاطفته الكبيرة وسعة فكره وتمسكه الكبير بتعاليم الدين الإسلامي فقد فتحها على مصراعيها ليستفيد العالم كله من أبحاثها، ولم يقتصرها على بلدٍ أو منطقة، ولم يحدها بجنسية أو عقيدة دينية.. فقد رأى سموه الكريم أن الفجوة المائية تتفاقم وأن الجفاف يزداد وأن هدر الماء لا يتوقف عند حد وأن الصراع من أجل قطرة ماء بات وشيكاً.
لذلك لابد أن نحافظ على الماء لأنه لا يقدر بثمن.. وقد لاقت هذه الجائزة اقبالاً عظيماً وكبيراً وتقديراً دولياً وحققت نجاحاً باهراً بدليل الأبحاث الكثيرة التي وصلت في فروعها الخمسة والتي تجاوز عددها الـ(151) مرشحاً من (44) دولة حيث تم اعتماد منهم (52) مرشحاً للتحكيم تم اختيارهم في المملكة ومصر والاردن وسوريا والجزائر وهولندا وايران والكويت والبحرين.
وها هو سيدي صاحب السمو سلطان بن عبد العزيز يقوم بتتويج الجائزة التي تحمل اسمه الكريم ويوزعها على الفائزين وهم: الفائز بجائزة الفرع الأول الدكتور (جيري ستدنجر) من أمريكا، والفائز بجائزة الفرع الثاني هو الدكتور (هرمان بادر) من أمريكا والفائز مناصفة بجائزة الفرع الثالث هو فرع الموارد المائية البديلة غير التقليدية الاستاذ الدكتور هشام طه عبدالله الدسوقي من جمهورية مصر العربية، والاستاذ الدكتور هشام محمد التوني من جمهورية مصر العربية أيضاً، والفائز بجائزة الفرع الرابع هو مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية المملكة العربية السعودية وجائزة الفرع الخامس حجبت لعدم كفاءة البحوث المقدمة ولا ننسى جهود جامعة الملك سعود، ووزارة المياه والكهرباء في دعم المؤتمر الدولي للموارد المائية والبيئة الجافة والمقام بمناسبة توزيع جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه (الدورة الأولى).
فكل هذه الجهود المبذولة للحفاظ على قطرة الماء ألا يدعونا للتشديد والتأكيد على ضرورة الترشيد والحفاظ على الماء لأن الماء لا يقدر بثمن.
لحظات صدقٍ في عقل قطرة ماء
تروني متدفقة بين محيطاتكم.. وبحاركم، وأنهاركم، وينابيعكم، تروني شابةً مشرقةً أتراقص على جداولكم، أمدكم بالحياة والارتواء، أروي زرعكم، أضيء حياتكم، أقدم نفسي فداءً لكم لقد جعلني الله هبةً كريمةً من عنده لكم، وجعل مني كل شيء حي بإذنه، ولكن أخاف أن يأتي ذلك اليوم الذي تموت فيه اللهفة للبقاء، وينتحر اللقاء بكم، ويذبل الشوق إليكم، وتدفن المشاعر، ويبقى هناك جنين في الأحشاء يتكون من الذكريات، ويتغذى من لهيب الفراق، يكبر ويكبر، ويصبح قوياً ليولد في لحظات الجفاف، يبكي ويصرخ بأعلى صوته مستغيثاً: أهدرتموني، أسرفتم كثيراً بي، أهملتموني فها آنذا أنتهي رويداً رويداً.. فابقوا عى شعرة معاوية ولاتهدروني أكثر، فالجفاف يكاد يعتصرني.
والآن وبعد أن بدأت أضمحل قليلاً قليلاً أراكم متلهفين لاحتضاني.. أراكم متعطشين لبقائي.
أعزائي ياجنس البشر.. ربما يذبل الشوق، وتدفن المشاعر ونتغذى من لهيب الفراق، فأنا أرى البشرية كلها تهدرني والجفاف يعتصرني، هلموا إليَّ، حافظوا عليّ أناجيكم، أشد على أياديكم، لاتتركوني أجف وأشعر بالفناء، لا تدعوني ورقة تسقط من أحضان الشجر صفراء لا تدعوني زهرةً تذبل بعد أن كنت شابةً عنقاء.
امسكوا بي بكل دراساتكم وأبحاثكم، بكل قراراتكم بكل وسائلكم وتطلعاتكم، بكل عقولكم وأفكاركم، بكل براءات اختراعاتكم.
لا... لا تدعوني كنسمة صيفٍ ضلَّت طريقها، لا.. لا تدعوني طفلةً تاهت عن ثدي أمها.. فأنا أحبكم، أنعشكم، أروي ظمأ أطفالكم، زرعكم حرثكم.. لا تهملوني ولا تتركوني مياهاً مهدرةً باسرافكم بعدم مبالاتكم، باهمالكم.
فالحب في قلبي كبير، اكسروا روتين الهدر لمعالمي، لمخزوني اكسروا كل السلاسل والقيود ولا تنفوني من الوجود.
لا تتركوني قطراتٍ مهدرةٍ حزينةٍ دامعة، فأنا أفكر بكم وبحياتكم المقبلة، وبأجيالكم وصغاركم الآتية، فكيف ستعيشون بعدي في المدن والبادية.
فبدوني كيف ينبت زرع، وكيف ستغني الساقية، وبدوني كيف تكون حياتكم الباقية.
أعزائي ياجنس البشر فأنا مازلت أحتفظ بكنوزٍ خبأتها لكم بين حجرات قلبي الدافئة، مازلت أتوسد الانتظار لأبقي لكم مخزوناً من الحب الدفين، من العطاء، من الارتواء، لئلا تخوضوا من أجلي حروباً ضروساً عاتية.. أحبكم.. أحبوني.. ولا تلقوا بي.. ثم بكم في الهاوية.
فتعالوا أعزائي..
تعالوا ولا تتواردوا خلف ضباب الهروب، فلنمسك الغيوم معاً، ونواجه الرياح معاً، لأمطركم سخاءً بسخاء وأنصهر بينكم بكل وفاء.
أروي أرضكم، حرثكم، وتنمو بلادكم أي نماء.
ويعيش أطفالكم الأبرياء في صفاء، وهناء...
لا تهدروني.. فبدوني لا حياة له.. لها.. لهم.. لهن.. لكم.. لكُنّ.. فهذه لحظات الصدق في عقلي طرحتها لكم بكل صدقٍ ووفاء.
ولا تنسوا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.
للتواصل: تليفاكس: 2317743
ص.ب 40799 الرياض 11511 |