كل الأطراف التي تخوض الحرب تعرف مرارة الهزيمة في غياب أي حلاوة للنصر في الحروب المستمرة طويلا، وتقدم الحرب في العراق نموذجاً لحرب مريرة قاسية ولعينة لا تفتأ تلتهم العشرات كل يوم، ومن لم يمت بالرصاص في العراق فهو ميت بغيره، لكن النتيجة واحدة، فالحرب تكاد تعدم وسائل الحياة الأخرى ومن ثم فهي تعمل على حرمان الناس من وسائل البقاء.
ولن نستغرق في حديث طويل مكرورعن الحرب فهي أمامنا كل يوم بتجلياتها الدموية التي كان ينبغي أن تحث على فعل مضاد لها، يضع حداً لها ويخلص العالم من شرورها، لكن الأحرى أن هذه المشاهد لا تعمل إلا في اتجاه واحد هو تحفيز التحدي وشحن من يخوضونها برغبات عارمة في الانتقام، إن لم نقل في الاستئصال. إن الخسائر العراقية لا يمكن مقارنتها بالخسائر الأخرى، فالعراقيون يموتون كل يوم وبدم بارد في منازلهم وفي الشوارع وفي سجون الاحتلال وبرصاصه، وهم فوق هذا وذاك يتحملون على المدى البعيد إفرازات هذه الحرب في شكل أحقاد يحملونها ضد بعضهم البعض، حتى بعد خروج الاحتلال، إلى جانب خسائرهم المادية وهم يرون بلدهم يتم تدميره أمام عيونهم، ونفطهم يحترق وبنياتهم الأساسية وقد لحق بها التخريب.
ومن المؤكد أن العراقيين هم أيضا أكثر من يتطلع إلى نهاية سريعة لهذه المآسي، لكن هدير المدافع وضجيج المعارك لا يتيح سماعاً لأصواتهم المبحوحة، فهي بالكاد تتجاوز صدورهم إلى العالم الخارجي الذي لا يسمع غير ذلك الضجيج وما يتبعه من تصريحات نارية تزيد من أوار نيران المعارك.
ومهما قيل عن خسائر الجانب الآخر من أمريكيين وغيرهم فهي لا تقارن بالخسائر الفادحة للعراقيين، فالعراقيون يخسرون ألف مرة؛ لأنهم عاجزون عن وقف الحرب بينما الآخرون هم الذين يؤججون نيرانها.
ومع ذلك فإن خسائر القوات الأجنبية ينبغي أن تحفز شعوبهم على وضع حد للحرب، وهناك ضغوط في بعض الدول الغربية باتجاه إنهاء هذه المأساة خصوصاً مع ظهور أرقام كارثية لا يمكنهم السكوت عنها، كما حدث في الموصل يوم الثلاثاء عندما لقي أكثر من 22 أمريكيا مصرعهم.
ومن المهم ان تتواصل الضغوط المؤثرة في الغرب باتجاه وقف هذا الجنون، لأن الضغوط الشعبية العراقية غير مؤثرة، وعلى الرأي العام الغربي ألا ينتظر سقوط المزيد من أبنائه حتى يعمل على تصعيد حملته ضد الحرب.
|