لا يمكن أن نطلق على بعض الفعاليات التي غدت تمشي بأرجل على واقعنا إلا أنها إيمان بمثالية الحوار. وحتى وإن كانت قد أتت متأخرة، فهي خير من ألا تأتي أبدًا.
ومع أن مؤتمرات الحوار قد تجاوزت المراحل الأربع، وكان آخرها مع ومن الشباب، فإنه بنظري من أهم الحوارات رغم ما قيل ويقال عن نماذج هؤلاء الشباب الذين تحاوروا وكشفوا عن جزء من أحلامهم.
ورغم أن ما قرأته كان يؤكد جزئية مهمة بعضها يحوي لغة (التشدد) من الجنسين، إلا أنها حالة عامة، وليس لي مبرر أركنها عليه إلا أن هذا الجيل كان نتاج طبيعة لحياتنا الاجتماعية والثقافية والفكرية، التي ظلت تنهل من مصدر واحد وبقيت ثوابتها لا تتجاوز حدود إشراق الشمس وغروبها غير آبهة بالتفسير والبحث وتعدد المصادر وقراءة الثقافات المختلفة. وعندما كان البعض يؤكد أن ثقافة الأبيض والأسود لا يمكن لها أن تنتج فكرًا، ولا تفرخ عقولاً يمكن لها أن تحاور أو حتى استيعاب مهام التغير الملح لتعجيل دفة الحياة، فلا يجب أن يلومها أحد، حيث إن بعضًا من مناهج التعليم التي درسها الأبناء هي من درسها آباؤهم وأمهاتهم سواء.
هل يعقل أن العالم وقف عند ذلك الحد، وأن ندير ظهورنا لكل ما يدور في هذا الكون من أبحاث وتطورات، ونحن مرغمون على متابعة آفات الإرهاب وجرائمه وقبحه؟ كيف نخرج هؤلاء إلى نوافذ العالم الأكثر استيعابًا لنا ولغيرنا، وأن نفهمهم أن بيدهم طاقات مخزونة خشينا ألا تهدر وتبدد بسفكها في حلقات التخريب، وألا يصبح هذا الجيل مجرد عبوات بشرية تستخدم لأغراض قد لا تسعفهم أعمارهم ولا تجاربهم أن يعقلوها، كأن يصبحوا وسائل وأدوات فقط؟
كان من الضروري أن نلتقط، بعد كل ما حدث على أرضنا من عبث الإرهاب وفكره الملوث، أهمية التحاور، وأن يصبح جزءًا من تفاعلنا مع الحياة وأن يستعيد الناس هذه المرونة ودمجها مع تفاصيل أيامهم، ولا تكون النهاية عند الاختلاف، بل ربما اقتنع البعض بأن الاختلاف وإن كانت له عوائق، فإن أبسط إيجابياته هي الإثراء، إثراء الفكر، إثراء المعرفة، القبول بالآخر!
لقد ركز بعض الشباب في كلماتهم أمام سمو ولي العهد على إعادة النظر في طرق التعليم وقال أحدهم: (نريد الذهاب إلى مؤسسات التعليم بحب، وأن تتفهم احتياجاتنا وزمننا هذا, لا أن ندرس ونتعلم زمنا لسنا موجودين به أصلاً).
وذلك ما تماهى مع بعض التوصيات التي خرج بها المؤتمرون، وهي التركيز على تنمية الطاقات الفكرية للشباب وتنوع مصادرها، مما يغذي آفاقهم ويمنحها طاقة أخرى تستفيد من ريعانهم وتورق بنتائج لا بد أن تؤتي أكلها في حياض بلادهم وليس بعيدًا عنها وضدها.
بقي أن نقول إن إعادة الصياغة لصف مثل هذه التوصيات وما قبلها وما بعدها، لا يمكن له أن ينطق، ما لم يصبح واقعًا مترجمًا، ولنا أن نسأل، هل فعلت توصيات المؤتمرات السابقة للحوار، بما فيها الأخير؟ نريد أفعالاً فقط!
|