Thursday 23rd December,200411774العددالخميس 11 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

النمو السكاني والنمو الاقتصادي في ظل التخطيط الاستراتيجي للتنمية النمو السكاني والنمو الاقتصادي في ظل التخطيط الاستراتيجي للتنمية
د. زيد بن محمد الرماني(*)

جاء في مقدمة كتاب (خطة اقتصادية لمائتي عام):
قبل قرنين كان البشر في كل مكان تقريباً قليلي العدد فقراء وتحت رحمة قوى البيئة، ولكنهم وبعد مائتي عام سيكونون في كل مكان تقريباً، كثيري العدد جداً، أغنياء وقادرين على السيطرة على قوى البيئة.
منذ أمد قريب، شهدنا في البلدان الأكثر تطوراً ظهور اقتصادات فوق الصناعية ذات مشروعات مفرطة تدس لوامسها في كل مكان، في المجتمعات كما في البيئة ولن تلبث أن تخلفها اقتصادات بعد الصناعية، حيث يصبح فيها انتاج سلع الاستهلاك سهلاً للغاية بفضل التقدم التقني والتنمية الاقتصادية.
ومنذ بضع سنوات، كان تطور المجتمع الصناعي وتقنيته واقتصاده مبعثا على ملاحظات متشائمة، أثارها عدد من عقلاء الاختصاصيين، وقد تركزت هذه الانطباعات في بداية الأمر على فوارق واضحة بين ظروف العيش في الأمم الفقيرة وفي الأمم الغنية، وحتى داخل الأمم الغنية.
ثم جاءت منذ عهد قريب مخاوف متزايدة بشأن التلوث واحتمال نفاد عدد كبير من الموارد الطبيعية فعززت الشكوك الجدية التي كانت تحوم حول إمكان الاستمرار في طريق هذه السياسة المختلة التوازن.
فهل يحق للأغنياء أن يستهلكوا بهذا الشكل موارد لا تجددها البيئة أو هي نادرة، فضلا عن أنهم كثيراً ما يحرزون هذه المواد الأولية بأسعار يرى الناس أنها غير مكافئة.
ومن جهة أخرى، يُخشى كذلك أن نرى الأمم المنتجة في العالم الثالث تتجمع في كارتلات احتكارية وتفرض أسعاراً عالية جداً، وبهذا الشكل تستطيع هذه البلدان أن تجتذب لصالحها قدراً كبيراً من الفائض الناتج عن أنظمة الانتاج بدون أن يتحسن نصيب البلدان الفقيرة من ذلك تحسناً يستحق الذكر.
إن القلق الاقتصادي - البيئة، دفع جيسكار ديستان إلى حالة ضيق عام، فلفت الأنظار إلى أننا عندما نتفحص المنحنيات الكبرى، التي ترسم للمستقبل ظواهر عصرنا يتبين لنا ان جميع هذه المنحنيات تقودنا عمليا الى الكارثة.
لذا، يرى العلماء والصحفيون في اجماع واسع أننا بلغنا نقطة (اللاعودة) تنذر إما بنظام عيش أشد تقشفا وإما بانقلاب فاجع في حالات توازن المجتمع الداخلية والدولية، بل بهذين التحولين في آن واحد.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن الاتجاهات الحديثة والأخطار التي تواكبها تحول دون الانتفاع بالمؤسسات القائمة ودون التفكير بطريقة واقعية في مواصلة النمو الاقتصادي.
وما هو أدهى من ذلك أنهم يميلون إلى الاعتقاد بأن التقدم الجديد قد يعرض البشرية للخطر، ويرون في النتيجة أن الضرورات التقنية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية تقتضي تغيرات عميقة في فاعلياتنا، وأننا سننتقل من النمو إلى وقف النمو ومن الغنى إلى التقشف، ومن الاستهلاك غير اللائق الذي يمارسه عدد قليل من الناس إلى توزيع عادل للإنتاج الذي نملك السيطرة عليه.
إن قضايا نوعية العيش والبيئة هي موضع اهتمام وعناية، فهي جديدة نسبيا من جهة، وتطبيق النصوص التنظيمية الجديدة يستلزم تغييرات غالية الثمن من جهة أخرى.
ذلك أن التقيد بالتقاليد والعادات القديمة يبدو عسيراً على كثير من الناس.
ومن ثم فإننا مطالبون ببذل التضحيات الضرورية لاعادة تنظيم المصانع والمباني وأساليب النقل وحتى مزارعنا تبعا للقواعد الجديدة، على أن تتم هذه التغيرات في بضع سنوات وبشكل جماعي.
إنها لمهمة شاقة، والحق يقال!!
إن إحدى مهامنا الأكثر إلحاحا تقوم على ايجاد الوسائل الناجعة لمعالجة الحالات التي يطرحها علينا الحاضر أو المستقبل القريب، كاكتظاظ السكان وفقر المواد الأولية، وظهور المجاعات والتلوث، واحتمال نشوب حرب نووية.
بَيْدَ أن آفاق الطاقة على المدى الطويل، التي تعتمد على الثروات من مصادر لا تنفد، آفاق ممتازة كما تبدو المخاوف فعلاً غير قائمة على أساس في مجال المواد الاولية، فالموارد اليوم كثيرة، وفي ازدياد مستمر ومن المحتمل أن يتمكن الإنسان من استخدام موارد فضائية لا تنفد، ولكن في المستقبل البعيد.
إن بعض المعادن مهمة حاليا ونادرة في آن واحد ولذا فإن كل الجهود ستنصب في المستقبل القريب على تجديدها أو الاستعاضة عنها بمنتجات أخرى.
وفضلاً عن ذلك فإن بعض المعادن لا توجد اليوم إلا على شكل منتجات مصنوعة.
ومن ثم، فينبغي حث الخطى لاستكشاف واستغلال المواد الأولية، كما يتوجب تجديد وتأكيد اهتمام المستثمرين بالعقود المبرمة مع البلدان النامية التي يحتاج اقتصادها إلى المنعش الذي يقدمه هذا المال الجديد.
لقد أصبح من الشائع المناداة بشيء من الترابط على المستوى العالمي، بيد أن هذه الروابط ليست في كثير من الحالات سوى فرص، لأن تلاقي الأمم مصير قلما يتحقق، وربما تصبح رهائن اقتصادية.
لذا، ينبغي على الأمم جميعا انتهاج سياسة ترابط بناء تقوي أنظمتها الاقتصادية، دون القبول بتبعية مدمرة على مرّ الزمن.
إن اكتفاءً ذاتياً من مصادر الطاقة لأية أمة يمكنها من حماية شعبها واقتصادها من الابتزاز أو من احتمال اضعاف تموينها.
كذلك ليس انتاج الغذاء موضوعاً حرجاً ففي الأرض حالياً مساحات صالحة للزراعة، ومياه وأسمدة كافية لتغذية السكان، أما حالات الفاقة والمجاعة التي تبرز هنا أو هناك مردها إلى عدم فاعلية أسلوب التوزيع فالمجاعات الاقليمية ترتبط بمشاكل السياسة الإدارية.
ومن ثم فللاقلال من احتمال الفقر والمجاعة، علينا القيام بتخزين الموارد والمصادر الغذائية اللازمة، وكذا لا بد من القيام بإصلاحات مهمة في المؤسسات تتيح للأمم التي يسودها الجوع أن تحسن انتاجها.
لقد فعل البشر الشيء الكثير من أجل حماية الماء والهواء والغذاء بيْدَ انه ما زال عليهم أن يبذلوا في هذا السبيل جهوداً جبارة وهذه المطالب ناجمة عن الاعتراف بتلوث الماء والهواء والغذاء، وعن إدراك أن البشر يملكون الوسائل المناسبة للقيام بعمل ما في هذه المجالات.
إن الآفاق المفتوحة أمام الأمم النامية آفاق جيدة وفي تحسن مستمر ولكي يتسارع هذا النمو، فإن التقدم لا يكمن في امتلاك الثروات الطبيعية فقط، ولكنه مرتبط بالتربية، وتأهيل الأفراد، وبالقدرة على التجديد والتوفير والانتاج والاستثمار.
إن رسم صورة للمستقبل مقنعة يقوي المعنويات، هذه الصورة تتيح للمجتمع أن يتقدم بانسجام وتناعم اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي متوازن
فالمهمة الأكثر إلحاحاً، بكل تأكيد هي أن نتزود بنظرة للمستقبل أكثر معقولية، وأن نختار طريقة للرؤية تفتح لنا فرصاً مناسبة، بدلاً من أن نسد على أنفسنا السبل المؤدية إلى المستقبل.
وقد آن أوان ذلك!!

(*)عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو جمعية الاقتصاد السعودية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved