ضرب الزوجات ليس ظاهرة إسلامية أو عربية، وليس لها من مكان في ديننا أو ثقافتنا، وإنما هي ظاهرة غربية تمارس أكثر ما تمارس في أكثر الدول التي تدعي الحضارة والتقدم، ونقصد بها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوربية الغربية التي تزعم المساواة بين الرجل والمرأة، والمحافظة على حقوقها وحريتها إلى آخر الكلام الجميل الذي يبهر الذين لا يعلمون حقيقة حقوق المرأة وصيانة كرامتها وحريتها في الإسلام.
لهذا يكون من المؤسف والعجيب أن تنتشر هذه الظاهرة في المجتمعات المسلمة.. أن نستوردها من الغرب الذي نقلده في كثير من سيئاته، فقد كثرت شكاوى الزوجات اللاتي يعانين من ضرب أزواجهن لهن في المحاكم، وعلى صفحات الجرائد، وعلى ألسنة الناس في بيوت الجيران والأقارب والأرحام.. وما ينشر في الصحف المحلية من حين لآخر من قصص وحوادث من جراء تعرض الزوجة للضرب المبرح ليس إلا حالات قليلة، وما خفي أكبر وأكثر.
ولو قام باحث اجتماعي بجمع الحالات التي تنشر في الصحف فقط سيجدها تؤلف كتاباً، وآخر خبر مر بي هذا الأسبوع في إحدى الصحف المحلية قصة زوجة بعد أن ضربها زوجها ومنعها من الخروج اضطرت إلى التسلل على ماسورة من الدور الثاني مخاطرة بحياتها هروباً من جحيم الزوج، وخانتها قواها فسقطت على الأرض من منتصف المسافة، وأحدث ذلك رضوخاً وكسوراً في عظامها، وربما لو لم تسقط على الأرض ويحدث لها ما حدث لما علم بالأمر أحد، وهذا ما يحدث لأغلب الزوجات اللاتي يفضلن الصبر والستر أو الهروب على الشكوى والفضيحة والقيل والقال، ويحسبن حساب الأولاد والأسرة التي ستضيع على يد زوج لا يراعي كرامة، ولا يقدر عشرة، ولا يحترم إنسانية.
والمؤسف أن بعض الذين يمارسون ضرب الزوجات، وليسوا من شاربي الخمر ومدمني المخدرات أو الشواذ سلوكياً أو الجهلة بأصول الشرع الإسلامي بل منهم أزواج متعلمون يدعون العلم والثقافة والتحضر ويتباهون بأفكار لا يطبقونها في بيوتهم ومع زوجاتهم.
ليس متعلماً ولا متديناً ولا متحضراً ذلك الذي لا يبدأ بتطبيق مبادىء علمه ودينه وتحضره في أهل بيته ومع زوجته وأولاده، فنحن أمة قال نبيها- صلى الله عليه وسلم-: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وفي حديث عائشة رضي الله عنها يشير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قدسية التمازج الروحي والتماس الجسدي بين الزوجين الذي يتناقض مع المعاملة بالضرب: (أما يستحيي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد.. يضربها أول النهار ويجامعها في آخره!!).
وقد نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ضرب الزوجة ضمنا وصراحة في جملة احاديث شريفة منها قوله (لقد طاف بآل محمد نساء يشتكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم) وقوله (لا تضربوا إماء الله) وقوله- صلى الله عليه وسلم-: (ما ضربهن إلا لئيم).
وقد ضرب لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنفسه المثل في احترام المرأة والتوصية بحسن معاملتها واحترامها وحفظ كرامتها، ولو تعاملنا نحن معشر المسلمين مع المرأة عامة والزوجة خاصة بما تعامل به نبينا وقدوتنا - صلى الله عليه وسلم- مع نسائه، وبما أوجبه علينا ديننا لأصبحنا في واقعنا الحالي أكثر شعوب الأرض احتراما للمرأة إذ لا توجد أمة يصون دينها كرامة المرأة فيها مثل أمة الإسلام ودينها.
وبعد.. فإنه توجد في أمريكا والدول الاوربية دور تابعة لجهات متعددة تعنى بخدمة المجتمع تأوي إليها الزوجات الهاربات من ضرب أزواجهن، وتقدم لهن الحماية والرعاية حتى تتخذ الإجراءات القانونية أو القضائية طريقها.. ولكن ماذا تفعل الزوجة المسلمة التي تمنع حتى من الخروج من البيت، وعندما تتدخل جهات خيرة لإنقاذها يقف الزوج متبجحاً قائلاً: هذه زوجتي وأنا حر فيها؟
فهل ضرب الزوجة يقع ضمن دائرة حريته؟ وهل من دور فاعل يمكن أن تؤديه وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعية حقوق الإنسان. هذا ما سنعرض له الاسبوع القادم إن شاء الله.
|