يحلو للبعض أن يصف كل إنجاز علمي وتقني بأنه نتاج الحضارة الغربية، وأنه بفضل تفوقها وقدرات عقول مفكريها في مجالات العلم والحياة شتى، وهم بذلك ينسبون كل إنجاز بشري لجزء من حضارة الكون، ويغيب عن الذهن أن كل حضارة غربية أو شرقية وغيرها إنما هي نسيج ونسق آخذ في النمو والتطور منذ أن خلق الله سبحانه الأرض ومن عليها، فتلاقحت الثقافات والمعارف والفنون وكل ما تفتقت عنه عقول البشر قديمهم وحديثهم لتكوِّن لنا الحضارة الإنسانية شاملة كل منتج حضاري أممي، وتتدرج الأمم في تطوير معارفها ومقارنتها بما لدى الغير وصولاً للأفضل.
وهكذا فإن الحضارة الإسلامية العربية - إن جاز التعبير - قد قدمت للبشرية قواعدَ مهمةً وأسساً ثابتةً لضرورات التقدم العلمي والحضري في منظومة الحضارة الإنسانية، فالغرب يتذكر أن قرطبة هي أول مدينة تتم إضاءتها في أوروبا بفكر عربي إسلامي استحدثته أوروبا من المد الإسلامي آنذاك، كما أن ساعة الرشيد كانت تحفة وأعجوبة لضبط الزمن أدهشت ملوك أوروبا حينها، وللقياس على ذلك فإن المنجز العربي الإسلامي في الدين واللغة والاجتماع والسياسة والرياضيات والطب والهندسة وغيرها كان مثار إعجاب الأمم التي جعلت منه معيناً طورت منه وبه جميع علومها ومعارفها، ولم تنكر وقتها هذا الفضل، معترفةً بأهمية نماذج الحضارات الإنسانية ونسبة الفضل لأهله.
|