تفاعلاً مع مقال الأسبوع الماضي حول دور مكتبة الملك فهد الوطنية في الحياة الثقافية السعودية، اتصل بي أحد أصدقائي طارحاً سؤاله: ما الذي يجب عمله لتفعيل دور المكتبة وتحريك ساكنها وتنشيط حركتها؟ وكان ردي عليه تواصلاً لما كُتب في الأسبوع الماضي، فمكتبة الملك فهد الوطنية صرح ثقافي سعودي نحرص على أن يكون فاعلاً في حياتنا الثقافية، موجهاً للتيارات الفكرية في ظل ظروف داخلية وخارجية تحتم علينا أن نستخدم هذه الدروع الحصينة للوقاية من آفات الفكر التي عبثت بعقول شبابنا.
نعم، صديقي العزيز، أريد من المؤسسات الثقافية أن تقوم بعدد من المهام التي أنشئت من أجلها، والتي لا بد أن تكون مدرجة في سجلاتها كمؤسسة وطنية ثقافية، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- أن تكون المكتبة حاضناً للباحثين والمفكرين والمبدعين؛ فتكلفة احتضان أحد الباحثين أو المبدعين لا تتجاوز تكلفة إنتاج كتاب واحد، فالأمر أهون كثيراً مما نتصور.
2- أن تكون للمكتبة مساهمة واضحة مع جمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني، وأن تكون دافعاً لهم لتفعيل حراكهم ونشاطهم بالتدوين والبحث، وإقامة الفعاليات المشتركة التي تتيح الالتقاء وتبادل الأفكار وعرض الإنتاج، وتسليط الضوء على البارعين منهم والمميز من إنتاجهم.
3- أن تكون المكتبة إحدى أدوات التنفيذ في خطة توجيه النشاط الاجتماعي، وأحد المساهمين في تأصيله، بالمشاركة في بحث ودراسة وترجمة وطبع كل ما له صلة بمؤسسات المجتمع المدني من النشاطات الفكرية والتنظيمية والتشريعية ونتائج التطبيق.
4- أن تتبنى الفعاليات الرئيسية التي تسهم في توجيه الفكر، وألا تبقى بلا دور رئيسي فعال في المؤتمرات الدولية التي تُعقد في المملكة وخارجها.
المأمول من المؤسسات الثقافية أشياء كثيرة، وذلك بسبب الظروف الراهنة على خط المواجهة الأول. وكلنا حكومةً وشعباً نرى أن أزمتنا فكرية ثقافية أولاً، وأن الثقافة والفكر هي الحلقة الأضعف في حلقات التنمية المجتمعية؛ فالنفط والاستقرار السياسي أوجدا مكاسب مهمة لا يمكننا التفريط فيها، ولا يجب أن نتيح الفرصة لكل معتدٍ أثيم أن يدفعنا للتفريط فيها.
المكتسبات التي تحقَّقت لنا منذ تأسيس الدولة حتى الآن مكتسبات متفوقة ورائعة، مقارنة بالمحيط العام وبالعالم من حولنا، ومقارنة بما حققه أشقاؤنا. هذه المكتسبات التي صبَّت كلها في خانة الرفاهية الاجتماعية، إلى جانب المكتسبات المعنوية؛ كالأمن والاستقرار والشخصية السعودية التي حفرت لنفسها مكاناً ومكانة عربياً وعالمياً، هذه المكتسبات كلنا مسؤولون عن حمايتها والحفاظ عليها وتنميتها بكافة أطيافنا وفئاتنا وطبقاتنا وتخصصاتنا وتطلعاتنا؛ لأننا كلنا نشترك في ملكيتها، ويقع علينا بالتالي مسؤولية حمايتها.
إن دور مؤسساتنا الثقافية يجب أن يتجاوز هذا الدور السطحي الذي تتبناه حالياً، وأن تخرج من شرنقة العمل المفروض بموجب لوائح ونظم إلى فضاء العمل الثقافي بمفهومه العام الذي تتبناه كافة المؤسسات الثقافية في أنحاء العالم، فالتقوقع الذي تنتهجه المؤسسات الثقافية كان مقبولاً في الماضي، ليس لكونه سلوكاً مرغوباً في ذاته، ولكن لكونه بلا دور مؤثر في الحياة اليومية؛ لاستقرار الظروف الفكرية والاجتماعية. أما اليوم وبلادنا تتعرض لهذه التيارات الفكرية الخطيرة فإنها يجب أن تفعل شيئاً دفاعاً عن وجودنا أو دفاعاً عن وجودها.
***
نشرت جريدة (الجزيرة) يوم الأحد الماضي تحقيقاً عن انتهاء مكتبة الملك عبد العزيز العامة من حفظ أربعة آلاف مخطوط إلكترونياً بمجموع صفحات تزيد على المليون صفحة، وعرضها على موقع المكتبة في الشبكة العنكبوتية. وأعرف أنهم يعملون على قدم وساق في مشروع الموسوعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية، إضافة إلى مشاريع ثقافية عملاقة أخرى.
مكتبة الملك عبد العزيز العامة بإنتاجها ومشاريعها خلال الخمسة عشر عاماً الماضية أصبحت في الصف الأول بين المؤسسات الثقافية العربية، وجهدها لا شك سوف يوجد لنا حضوراً معرفياً على المستوى الإنساني. شكراً للقائمين على المكتبة، متميناً ألا يكون مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي اقتسم وقت وجهد وتفكير بعض من قيادات وكوادر المكتبة معيقاً لها.. والله من وراء القصد.
|